ألعاب الفيديو بين الهروب من الواقع والإدمان النفسي

!خبراء يحذرون من آثارها ويشددون على الاعتدال

تحقيق:حبيبة وائل

شهدت ألعاب الفيديو تحولًا كبيرًا خلال العقود الأخيرة، حيث لم تعد مجرد وسيلة بسيطة للترفيه، بل أصبحت صناعة عالمية ضخمة تضم أكثر من 2 مليار لاعب حول العالم، ومن المتوقع أن تصل إيراداتها إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2025. ومع هذا الانتشار الواسع، باتت الألعاب الإلكترونية تؤثر على جوانب متعددة من حياتنا، سواء في التواصل الاجتماعي، أو الترفيه، أو حتى في التأثير على الصحة العقلية والنفسية

في حين يرى البعض أنها تساهم في تقليل التوتر وتعزيز المهارات الذهنية، فإن آخرين يحذرون من مخاطر الإفراط في استخدامها، والذي قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل القلق، والاكتئاب، والعزلة الاجتماعية. مع انتشار الألعاب بين مختلف الفئات العمرية، أصبح من الضروري فهم كيفية تأثيرها على الصحة النفسية، وما إذا كان استخدامها المتزايد يشكل خطرًا على الأفراد، خاصة الأطفال والمراهقين.

عندما تتحول الألعاب الإلكترونية إلى خطر نفسي

ليس من المفاجئ أن تشير العديد من الدراسات إلى أن الإفراط في لعب ألعاب الفيديو قد يؤدي إلى مشاكل نفسية متعددة، حيث تم ربط الاستخدام المفرط لها بمشكلات مثل اضطرابات النوم، والاكتئاب، والتوتر المزمن. ومع ظهور ألعاب الإنترنت التفاعلية، أصبح المستخدمون يقضون ساعات طويلة في اللعب دون إدراك تأثير ذلك على صحتهم النفسية. تؤكد الأبحاث أن الألعاب الإلكترونية قد تؤدي إلى الإدمان السلوكي، خاصة عند فقدان السيطرة على أوقات اللعب، ما قد يؤثر على الأداء الدراسي والمهني والاجتماعي للفرد، ففي بعض الحالات، يمكن أن تؤدي هذه العادة إلى العزلة الاجتماعية والتوتر الدائم، وهو ما يعرف باسم اضطراب ألعاب الإنترنت (IGD)، والذي تم إدراجه كحالة تستدعي التدخل العلاجي.

اضطراب ألعاب الإنترنت

تعرّف الجمعية الأمريكية لعلم النفس اضطراب ألعاب الإنترنت بأنه حالة تصيب الأفراد الذين يفقدون السيطرة على رغبتهم في اللعب، حيث يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات على حساب مسؤولياتهم الحياتية، ويعاني المصابون بهذا الاضطراب من عدة أعراض، مثل الانشغال المفرط بالألعاب، والشعور بالقلق عند التوقف عن اللعب، وفقدان القدرة على التحكم في الوقت المخصص للألعاب، والتأثير السلبي على الأداء الدراسي أو المهني أو الاجتماعي.

تشير الدراسات إلى أن بعض الأشخاص قد يلجؤون إلى الألعاب الإلكترونية كوسيلة للهروب من المشاكل العاطفية أو التوتر، ما يزيد من احتمالية الإدمان، ومع استمرار الاستخدام المفرط، قد يصبح من الصعب على اللاعب التوقف عن اللعب رغم إدراكه للأضرار المحتملة؛ هذا النمط السلوكي يشبه إلى حد كبير بعض أنواع الإدمان الأخرى، ما يجعل ألعاب الفيديو واحدة من التحديات الحديثة في مجال الصحة النفسية.

العنف في الألعاب وتأثيره على السلوك

من بين القضايا الأكثر إثارة للجدل في عالم الألعاب الإلكترونية، يأتي تأثير العنف في الألعاب على السلوك البشري، العديد من الألعاب الحديثة تتضمن مشاهد قتالية ومحتوى عنيف، ما أثار مخاوف بشأن إمكانية تأثير ذلك على اللاعبين، خاصة الأطفال والمراهقين.

أظهرت بعض الدراسات أن التعرض المستمر لمشاهد العنف في الألعاب قد يؤدي إلى زيادة السلوك العدواني، وتقليل التعاطف مع الآخرين، بل وحتى جعل العنف يبدو أمرًا طبيعيًا وغير مستهجن، ومع ذلك، فإن هذا التأثير لا ينطبق على جميع اللاعبين، حيث يعتمد الأمر على العوامل الفردية مثل البيئة الاجتماعية، والتربية، والمستوى العام للصحة النفسية.

تحدثت الدكتورة هند عبد العزيز، الحاصلة على دكتوراه في المناهج وطرق التدريس وموجه عام الفلسفة، مديرية القاهرة، حول تأثير الألعاب الإلكترونية على الصحة النفسية، مؤكدة أن التأثير يختلف تبعًا لنمط الاستخدام.

بحسب الدكتورة هند، فإن الألعاب يمكن أن تحمل فوائد الإيجابية، حيث تساهم في تحسين القدرات الذهنية مثل التركيز، والتفكير النقدي، وحل المشكلات. كما أن الألعاب الجماعية قد تعزز التفاعل الاجتماعي، ما يساعد على بناء علاقات قوية بين اللاعبين ويقلل من مشاعر العزلة.

لكن على الجانب الآخر، أوضحت الدكتورة أن الإفراط في اللعب قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية خطيرة، خاصة إذا تسبب في إهمال المسؤوليات اليومية أو العلاقات الاجتماعية، وتشير إلى أن الألعاب التنافسية قد تزيد من مشاعر الإحباط والتوتر، في حين أن الألعاب العنيفة قد ترفع معدلات التوتر لدى بعض اللاعبين.

علاقة ثنائية الاتجاة

وأضافت أن العلاقة بين الألعاب والصحة النفسية ثنائية الاتجاه، حيث قد يلجأ البعض إلى اللعب للهروب من المشكلات النفسية، لكنه في الوقت ذاته قد يفاقمها بسبب قلة النوم والعزلة الاجتماعية.

يمكن أن يلجأ الأفراد الذين يعانون من مشاعر القلق أو الاكتئاب إلى الألعاب كطريقة للتعامل مع الضغط النفسي والهروب من الواقع، إلا أن هذا الحل قد يكون مؤقتًا فقط، حيث أن الإفراط في اللعب قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة بدلًا من حلها، فإن لاعبي الألعاب الإلكترونية الذين يعانون من أعراض الاكتئاب قد يكونون أكثر عرضة للإدمان على الألعاب الإلكترونية، ما يخلق دائرة مغلقة يصعب كسرها، حيث يصبح اللعب وسيلة للهروب، ولكنه في الوقت ذاته يزيد من العزلة والتوتر، ما يؤدي إلى تفاقم الحالة النفسية.

تجنب مخاطر إدمان الألعاب

ولتجنب الوقوع في إدمان الألعاب الإلكترونية، تؤكد الدكتورة هند على أهمية وضع ضوابط واضحة لاستخدام الألعاب، فبدلًا من السماح للأطفال والمراهقين بقضاء ساعات غير محدودة أمام الشاشات، ينبغي تحديد أوقات محددة للعب، بحيث لا تتجاوز ساعتين يوميًا.

كما تنصح بضرورة التوازن بين الألعاب والأنشطة الأخرى، مثل ممارسة الرياضة، والمشاركة في الفعاليات الاجتماعية، وتطوير مهارات جديدة، وتعتبر الرقابة الأبوية من العوامل المهمة في ضمان استخدام الأطفال للألعاب بشكل آمن، حيث يمكن للوالدين متابعة نوعية الألعاب التي يلعبها أبناؤهم، والتأكد من أنها لا تحتوي على محتوى غير مناسب.

في بعض الحالات، عندما يتحول اللعب إلى إدمان يؤثر على حياة الشخص اليومية، قد يكون من الضروري اللجوء إلى العلاج النفسي. توضح الدكتورة أن هناك العديد من الأساليب الفعالة في علاج إدمان الألعاب، مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، الذي يساعد في تعديل أنماط التفكير السلبية المتعلقة بالألعاب.

تحقيق التوازن بين الألعاب والحياة الواقعية

لضمان استخدام الألعاب بطريقة صحية ومتوازنة، تنصح الدكتورة هند بضرورة وضع جدول يومي متوازن، بحيث يتم تخصيص وقت محدد للدراسة أو العمل، بالإضافة إلى ممارسة النشاطات البدنية، والتواصل الاجتماعي، ثم تخصيص وقت للعب.

كما تشير إلى أهمية مراقبة التأثير العاطفي للألعاب، فإذا كان اللعب يساعد على الاسترخاء دون التأثير على الأنشطة اليومية، فإنه يمكن اعتباره نشاطًا صحيًا. لكن إذا كان اللاعب يشعر بالعزلة أو التوتر أو يعاني من اضطرابات النوم بسبب الألعاب، فهذا قد يكون مؤشرًا على ضرورة تقليل أوقات اللعب أو التوقف عنه مؤقتًا.

الاعتدال هو الحل

وفي ختام حديثها، تؤكد الدكتورة هند أن ألعاب الفيديو ليست بالضرورة ضارة، لكنها قد تصبح مشكلة إذا لم يتم استخدامها باعتدال، فالتوازن بين اللعب والحياة اليومية هو المفتاح للاستمتاع بالألعاب دون أن تتحول إلى مصدر للقلق أو التوتر.

تشير إلى أن الوعي الذاتي واتخاذ قرارات مسؤولة بشأن مدة ونوع الألعاب التي يتم لعبها يمكن أن يضمن تجربة ترفيهية ممتعة وآمنة. إذا لم يتعارض اللعب مع المسؤوليات أو الحياة الاجتماعية، فقد يكون جزءًا صحيًا من الروتين اليومي، لكن في حال فقدان السيطرة على الوقت أو التأثير على الصحة النفسية، من الضروري إعادة النظر في عادات اللعب وطلب المساعدة عند الحاجة.

Previous
Previous

لم تعد حكراً على الرجال

Next
Next

لاعب" أم "مستثمر" .. كيف تحقق دخلًا من الرياضات الإلكترونية؟”