ليست للرجال فقط! رحلة المرأة في عالم كرة القدم..كفاح نحو التهمي والعدالة الرياضية في ظل غياب الأندية الكبرى..وادي دجلة يحتكر لقب الدوري المصري لسنوات
تقرير:نيره أحمد
تشكل كرة القدم النسائية ظاهرة رياضية واجتماعية هامة، فقد شهدت هذه الرياضة رحلة
تطور ملهمة بدأت من بدايات بسيطة في أواخر القرن الثامن عشر، وصولاً إلى احتلالها مكانة
عالمية بارزة في مختلف القارات، حيث تُعد كرة القدم النسائية منصة للتعبير عن روح التحدي
والإصرار، إذ تُظهر قدرة المرأة على التألق والتغلب على التحديات في ميادين المنافسة. كما
أن نجاحها وتطورها لم يقتصرا على تحقيق البطولات فحسب، بل أصبحت رم ًزا للتمكين
والتحول الاجتماعي، تلهم الأجيال الجديدة على السعي نحو المساواة والتميز
بدأت كرة القدم النسائية في الظهور منذ عام 1790، لكنها لم تُمارَس بشكل رسمي إلا بعد مبادرات مثل تلك التي قادتها المدربة إليزابيث بروجاني عام 1894، وأسست فيها نيتى هانيبال أول نادٍ نسائي في بريطانيا رغم المعارضة المجتمعية. ومع تأسيس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم النسائية عام 1969، بدأت اللعبة تأخذ طابعًا رسميًا، وتبعتها دول مثل إيطاليا، والولايات المتحدة، واليابان. وفي مصر، بدأت كرة القدم النسائية تبرز في أواخر الثمانينيات، وقادت سحر الهواري جهودًا مؤثرة أسفرت عن إنشاء هيئة تابعة للاتحاد المصري وتشكيل أول منتخب نسائي منتصف التسعينيات.
ومن جانبها، تسعى الفيفا لتطوير كرة القدم النسائية من خلال برنامج يتيح لـ211 اتحادًا وطنيًا الحصول على دعم فني ومالي في 13 مجالًا رئيسيًا، يشمل توفير المعدات والخبرات لتعزيز اللعبة محليًا تحت إشراف الهيئات الرياضية الوطنية
أهتمام الفيفا بكرة القدم للسيدات
ومن الأمثلة على هذه الجهود:
منحة واحدٌ من ثلاث اتحادات للحصول على PSSI) تم اختيار الاتحاد الإندونيسي لكرة القدم من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي بهدف تمكين المرأة في الرياضة.
الاتحاد الإندونيسي
في هندوراس، كان التطوير والتوعية والترويج لكرة القدم النسائية – من خلال الهيئة المسماة أحد الأهداف الرئيسية للاتحاد الوطني؛ حيث نُظمت مهرجانات رياضية في – (FENAFUTH) مدينتي "سيغواتيبيكي" و"تشولوتيكا" لتحقيق هذه الغاية.
استمرار الشغف والأهتمام بكرة القدم للسيدات بهندوراس
تكريم 12حكمة وترقية تسع منهن كأول مدربات في الصومال
تكريم 12 حكمة وترقية تسع منهن كأول مدربات في الصومال
دعم كرة القدم النسائية في مصر
منذ بداية كرة القدم النسائية في مصر، كان للمدرب الفني للاتحاد المصري، ييلو فينجادا، دور بارز في دعمها. فقد أشاد بمستوى اللاعبات المصريات، خاصة خلال بطولة كأس العرب، مؤكدًا الحاجة لتصحيح الأخطاء الماضية وتوفير فرص أكبر لتطور اللعبة. كما شدد على أهمية منح كرة القدم النسائية نفس الاهتمام الذي تحظى به نظيرتها من الرجال.
فريق كرة القدم المصري المشارك في كأس العرب للسيدات 2021
الإنجازات والبطولات العالمية والإقليمية:
شهدت كرة القدم النسائية تطورًا ملحوظًا عالميًا، حيث أُطلق أول دوري محترفات في اليابان عام 1989، وأقيمت أول بطولة أمم آسيا للسيدات في 1975، وتُعد الصين الأكثر تتويجًا بها. وفي أوروبا، بدأت بطولة الأمم عام 1984، وتتصدر ألمانيا قائمة الألقاب. وعلى مستوى كأس العالم، أُقيمت أول نسخة عام 1991 وفازت بها الولايات المتحدة، التي حافظت على ريادتها بـ4 ألقاب حتى 2019، بينما تُوجت إسبانيا بالبطولة الأخيرة عام 2023
أسبانيا تتوج بكأس العالم للسيدات 2023
على صعيد كرة القدم النسائية العربية، ورغم امتلاك عدة دول فرقًا للسيدات، لم يتأهل أي منتخب عربي لكأس العالم حتى عام 2023، حين تمكن المنتخب المغربي من المشاركة في البطولة التي أقيمت في أستراليا، ليصبح أول منتخب عربي يصل إلى هذه المرحلة. وعلى مستوى كأس أمم إفريقيا للسيدات، تأهل المنتخب الجزائري 4 مرات، والمغربي 3 مرات، بينما شاركت مصر وتونس مرة واحدة وانتهت مشاركتهما بالإقصاء من الدور الأول.
أما في آسيا، فقد تمكن الأردن من بلوغ بطولة أمم آسيا للسيدات عام 2014 في فيتنام.
وفى مصر، رغم امتلاكها لفرق نسائية ، أبرزها فريق وادي دجلة الذي احتكر لقب الدوري لسنوات، لا تزال كرة القدم النسائية تعاني من ضعف التغطية الإعلامية وتراجع الحضور الجماهيري، في ظل غياب الأندية الكبرى مثل الأهلي والزمالك عن ساحة المنافسات النسائية. ومع ذلك، جاء قرار الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بإلزام الأندية المشاركة في بطولاته – كدوري الأبطال والكونفدرالية – بإنشاء فرق نسائية، ليشكل نقطة تحول قد تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التطوير والاعتراف بكرة القدم النسائية في مصر والقارة بأكملها.
أول فريق نسائى لكرة القدم الأمريكية
تواجه النساء في مصر تحديات كبيرة بسبب الأعراف والصور النمطية للنوع الاجتماعي، حتى في العاصمة القاهرة. وفي هذا السياق، انطلق مشروع رياضي جريء عام 2016 مع تشكيل فريق "ذئبات القاهرة" لكرة القدم الأمريكية، ليكون أول فريق نسائي من نوعه في إفريقيا.
صورة مهداه من فريق ذئبات القاهرة
على الرغم من التحديات، خاض الفريق أول مباراة له في هذه الرياضة وفاز ببطولة الدوري في ديسمبر من نفس العام. في البداية، قوبلت فكرة مشاركة النساء في كرة القدم الأمريكية بتشكيك واسع، إذ اعتُبرها المجتمع غير ملائمة للمرأة. غير أن لاعبات الفريق كسرت توقعات الآخرين وأثبتن قدرتهن على المنافسة والنجاح في رياضة طالما ارتبطت بالرجال. ومع مرور الوقت، تغيرت نظرة المجتمع؛ حتى أن لاعبي الفرق الرجالية أصبحوا يدعمون زميلاتهم بحضور المباريات والتدريبات بحماس، بل وأصبحوا يشجعون بعضهم البعض على المتابعة عبر تطبيقات التواصل مثل واتساب.
"ذئاب القاهرة".. و دعم الكرة الأمريكية النسائية
ومن بين اللاعبات البارزات في الفريق، برزت آلاء أبو غالي – البالغة من العمر 22 عامًا – التي تلعب في مركز المدافعة وتشغل أيضًا منصب المدير العام للفريق. فعندما قررت الانضمام في مارس 2017، واجهت رفضًا من والديها بسبب مخاوفهما من عنف اللعبة، لكنها أصرت على تحقيق شغفها. تؤكد آلاء أن دعم الرجال في فريق "ذئاب القاهرة" لكرة القدم الأمريكية كان له دور أساسي في تعزيز معنويات اللاعبات وتحفيزهن على الاستمرار.
إلى جانب تأثيرها الرياضي، غيّرت تجربة آلاء نظرتها لقضايا التمييز بين الجنسين؛ إذ تروي أنه قبل انضمامها للفريق كانت تتجاهل المضايقات التي تتعرض لها في الشارع، لكنها أصبحت الآن أكثر جرأة في مواجهتها. ففي إحدى المرات تحدت متحرشًا في الشارع، مما دفعه للاعتذار، كما حصلت على دعم أحد زملائها في الفريق خلال المواجهة.
شارك فريق "ذئبات القاهرة" في حملة "لأنني رجل" التي نظمتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة، والتي تهدف إلى إبراز دور الرجال في تحقيق المساواة بين الجنسين والتصدي للتصورات الخاطئة عن الرجولة.
وفي سياق مشابه، تمكن فريق "كامبريدج بلاك كاتس" الإسباني، المكوَّن من فتيات يبلغن الحادية عشرة من العمر، من كسر القوالب النمطية عندما تغلب على فريق من الصبيان في منافسة رسمية. كما اعتاد فريق كرة القدم النسائي في فالنسيا الفوز على نظرائه من الذكور في المسابقات الأسبوعية، مما ساهم في تعزيز فكرة أن كرة القدم ليست حكرًا على الرجال؛ وقد حاز الفريق على إعجاب أولياء الأمور من كلا الجانبين، مؤكدين أن المهارة والعزيمة هما العاملان الأساسيان في النجاح بغض النظر عن النوع الاجتماعي.
قلة الدعم المادى و ضعف التسويق..أبرز التحديات
رغم الطفرة التي شهدتها كرة القدم النسائية مؤخرًا، ورغم أنها ليست رياضة حديثة العهد، لا يزال المجتمع يواجه صعوبة في تقبل فكرة ممارسة النساء لكرة القدم. تُنظر إلى اللعبة على أنها رياضة عنيفة تتطلب التحامات بدنية وخشونة، وهي صفات يعتبرها البعض غير متوافقة مع الأنوثة والرقة. حتى اليوم، إذا سُئل طفل عن لاعبي الدوري الاسكتلندي، فسيسرد قائمة طويلة من الأسماء والمعلومات، بينما عند طرح السؤال نفسه عن فريق نسائي محلي، قد يُرمق بنظرة ساخرة ويتساءل عما إذا كانت هناك فتيات تلعب كرة قدم.
إحدى العقبات الأساسية أمام تطور الرياضة النسائية هي ضعف الاهتمام الرسمي بها. فعلى الرغم من وجود دوري لكرة القدم النسائية في مصر، تعاني الفرق من قلة الدعم المادي وضعف التسويق؛ فهي تفتقر إلى الرعاة والمعلنين، كما أن الاتحادات الرياضية لا توفر لها التمويل الكافي. ولا تمتلك الأندية الكبرى مثل الأهلي والزمالك فرقًا نسائية، في حين تشارك في الدوري الممتاز فرق مثل الجونة ووادي دجلة والبنك الأهلي فقط.
حضور الجماهير..عائلى
رغم التحديات والقيود الاجتماعية، نجحت بعض اللاعبات في كسر الصورة النمطية واحتراف كرة القدم، لكن هذه الخطوة، وإن كانت شجاعة، لا تكفي وحدها لتغيير واقع اللعبة. فالبطولات النسائية تعاني من ضعف التنظيم، ونقص البنية التحتية، وتدريبات غير منتظمة، إضافة إلى غياب التغطية الإعلامية الجادة. أما الحضور الجماهيري، فعادة ما يقتصر على عائلات اللاعبات وأصدقائهن، وفي حال بثّ المباريات، يكون عدد المشاهدين محدودًا، وأحيانًا مدفوعًا بالتنمر أو السخرية أكثر من التقدير الحقيقي للمهارات.
وساهم الإعلام بدوره في ترسيخ الفكرة المغلوطة بأن كرة القدم حكرٌ على الرجال، وأن المنافسات النسائية تفتقر للحماسة، رغم أن جوهر اللعبة يرتكز على الذكاء والمهارة وليس القوة البدنية فقط. والأسوأ أن كثيرًا من التغطيات الإعلامية تركز على مظهر اللاعبات لا على إنجازاتهن، وكأن نجاح المرأة في هذا المجال أمر خارج عن المألوف.
ألا تستحق اللاعبات التقدير والدعم بدلًا من التهكم؟ ألا يجدر بالإعلام أن يعيد النظر في أسلوب تغطيته، فيسلّط الضوء على الأداء والمهارات بدلًا من المظاهر؟ أليس من حق كرة القدم النسائية أن تحظى بتسويق احترافي يعزز حضورها ويضمن لها دعمًا ماليًا ومعنويًا يوازي ما تحققه من إنجازات؟
ربما يشكل قرار الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، الذي ألزم الأندية بإنشاء فرق نسائية كشرط للمشاركة القارية، بداية لتحول جذري في نظرة المؤسسات لهذه الرياضة. خطوة قد تفتح المجال أمام اهتمام أكبر وتطور أوسع، وتسهم في تغيير النظرة المجتمعية السائدة.
في نهاية المطاف، تبقى كرة القدم النسائية قصة إصرار تتحدى التحديات الاجتماعية والاقتصادية، وتحمل في طياتها رمزية عميقة لتمكين المرأة. ومن بدايات متواضعة، أصبحت هذه الرياضة مساحة للتميز والإبداع، ويبقى الأمل معقودًا على دعم مستدام يرسم ملامح مستقبل أكثر مساواة وعدالة في الملاعب وخارجها.