رغم التطورات والإنجازات المتصاعدة..كرة القدم النسائية في مصر مازالت بعيدة عن عدسات الإعلام!

تقرير:محمد علاء/ميار وائل/رودينا محمد

وفقاً لاستبيان (صوت الجامعة):

الإعلام يتجاهل الكرة النسائية بنسبة 60%... والجمهور مستعد للتفاعل بشروط، خبراء:منصات متخصصة تكسر احتكار التغطية الذكورية للرياضة.

 

لاعبات منتخب مصر

رغم سلسلة النجاحات التي تحققها الرياضة النسائية في مصر، لا تزال التغطية الإعلامية بعيدة عن مواكبة هذا الزخم. فبينما تصعد بطلات مصريات إلى منصات التتويج في المحافل الدولية، يبقى حضورهن في وسائل الإعلام محدودًا، ما يعكس فجوة حقيقية بين حجم الإنجاز ومستوى الاهتمام الإعلامي به

في هذا التحقيق، نستعرض شهادات من لاعبات بارزات وخبيرات في الإعلام الرياضي، إلى جانب نتائج استبيان أُجري على طلاب جامعيين، للكشف عن ملامح المشهد الإعلامي لكرة القدم النسائية في مصر، ومدى ارتباط التغطية الإعلامية بالعدالة والتمثيل، في ظل مؤشرات متزايدة على استعداد قطاعات من الجمهور لتغيير المعادلة، إذا ما توفرت المحتويات الجاذبة والدعم المؤسسي الكافي.

تؤكد الدكتورة زهراء رشاد، مدرس الصحافة الرياضية بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، أن كرة القدم تظل الرياضة الأكثر حضورًا في الوعي الجمعي المصري، ما يجعل الهيمنة الرجالية على التغطية أمرًا واقعًا. إلا أنها تشير إلى تحولات تدريجية تحدث، تبدأ مع الإنجاز الفردي الذي يفرض نفسه على الأجندة الإعلامية، كما حدث مع أبطال أولمبياد طوكيو، واللاتي تم تجسيد قصصهن في مسلسل "تقلها دهب"، ليصلن من منصات التتويج إلى شاشات الدراما والمناهج الدراسية.

وترى د. زهراء أن التفاوت في التغطية يعود تاريخيًا إلى تأخر انخراط المرأة في المنافسات الأولمبية مقارنة بالرجال، غير أن العقود الأخيرة شهدت تطورًا ملحوظًا، تمثل في ظهور نجمات مثل فريال أشرف، وهداية ملاك، وسارة سمير، واللواتي أصبحن رموزًا وطنية بعد حصدهن ميداليات أولمبية. كما فرضت كرة القدم النسائية نفسها على الساحة بعد قرار الاتحاد الأفريقي بإلزام الأندية الكبرى بتأسيس فرق نسائية، مثلما حدث في الأهلي والزمالك ووادى دجلة، وتوّج هذا الحراك بتجارب احترافية نسائية خارجية مثل تجربة سارة عصام في نادي ستوك سيتي الإنجليزي.

وتوضح د. زهراء أن الإعلام بدأ يواكب هذه التغيرات تدريجيًا، حيث بدأت منصات مثل "يلا كورة" و"في الجول" و"اليوم السابع" و"الأهرام" في متابعة الدوريات النسائية، إلى جانب بروز منصات متخصصة مثل "تتويج نيوز" التي تسلط الضوء على الرياضات النسائية والرجالية بشكل متوازن.

ورغم أن الإعلام لا يزال يميز بين التغطية الرجالية والنسائية، فإن هناك دعمًا بدأ يظهر على الساحة، تجسد في رعاية شركات خاصة للبطلات، وفي إبراز القصص الشخصية لهن بأسلوب يعزز من صورتهن كنماذج ملهمة، كما حدث مع فاطمة عمر، أسطورة رفع الأثقال، التي أصبحت قصتها جزءًا من المناهج الدراسية.

وتختم د. زهراء حديثها بالتأكيد على أن الإنجاز يظل العامل الأقوى في فرض التغطية الإعلامية، مستشهدة بفريال أشرف التي تحولت إلى "أيقونة قومية" بعد فوزها بالذهبية، وتم تكريمها رسميًا بإطلاق اسمها على محور في القاهرة، ما يؤكد أن التفوق الرياضي – سواء كان فرديًا أو جماعيًا – لا بد أن يجد طريقه إلى الإعلام، حين تتوفر إرادة التقدير والعدالة.

استبيان طلابى:الإعلام لا ينصف الكرة النسائية

رغم التحولات الطفيفة في مشهد الرياضة النسائية، إلا أن واقع كرة القدم النسائية في مصر لا يزال يراوح مكانه، خاصة داخل الجامعات. فقد كشفت نتائج استبيان ميداني أُجري على عينة من طلاب جامعيين عن فجوة واضحة في حجم الدعم الموجه للكرة النسائية مقارنةً بنظيرتها الرجالية، سواء على مستوى التغطية الإعلامية، أو التفاعل الجماهيري، أو حتى السياسات المؤسسية.

النتائج كانت مفاجئة وصادمة: غالبية المشاركين أكدوا أنهم لا يتابعون مباريات الفرق النسائية على الإطلاق، مبررين ذلك بـ"ضعف الأداء" – وهو ما يشير إلى تصورات مسبقة لا تعكس بالضرورة الواقع، وينفي في الوقت نفسه حجة التراجع الفني كمبرر للإعراض الجماهيري.

اللافت أن نسبة كبيرة من المشاركين أعربوا عن عدم ثقتهم في أداء الإعلام المصري، معتبرين أنه لا يمنح الفرق النسائية تغطية منصفة، وعند سؤالهم عن أسباب هذا التحيز، جاءت الإجابات لتؤكد أن كرة القدم الرجالية تحظى بالأولوية، نظرًا لمعدل المشاهدة المرتفع، ما ينعكس على التناول الإعلامي ويكرّس التفاوت.

كما أظهرت النتائج صورة إعلامية سطحية للكرة النسائية، فالمشاركون أشاروا إلى غياب واضح للاستوديوهات التحليلية أو التغطية المهنية، في إشارة إلى نقص العمق والاهتمام في تقديم المباريات، وهو ما جعل الغالبية تُحمّل وسائل الإعلام المسؤولية المباشرة عن ضعف الحضور الجماهيري، ما يعزز من فرضية أن المشكلة تكمن في الوسيط لا في المحتوى.

ورغم هذا العزوف، تضمن الاستبيان مؤشرات إيجابية تعكس فرصة حقيقية لتغيير المعادلة؛ إذ أبدى عدد كبير من المشاركين استعدادهم لمتابعة كرة القدم النسائية بشرط تحسين التغطية الإعلامية. كما قدموا مقترحات عملية للنهوض باللعبة، أبرزها: تحقيق العدالة الإعلامية مع كرة القدم الرجالية، رفع كفاءة اللاعبات لمنافسة الفرق العالمية، وزيادة عدد الصحفيين المتخصصين والبرامج الرياضية المهتمة بالشأن النسائي.

الرسالة كانت واضحة: المشكلة ليست في الجمهور، بل في غياب العرض الإعلامي المهني والمستمر. فالجمهور لا يرفض كرة القدم النسائية، لكنه ببساطة لا يراها. والحل، وفقًا لتصورات المشاركين، يبدأ من الإعلام... وينتهي إليه.

 

ضعف الدعم الكؤسسى..أبرز التحديات

وفي حوار ياسمين محمد، لاعبة كرة القدم النسائية في أكاديمية رياضية بمدينة طنطا، خلال لقائها في برنامج حديث المساء على قناة MBC مصر، قالت: "الرياضة النسائية لم تأخذ حقها بقدر كافي، نحن فقط من وجدنا كابتن فريق تأخذ بأيدينا وتعطينا الفرصة، لكن يوجد الكثير غيرنا غير معروفين تمامًا ولم يحظوا بالفرصة، ولكنها نوعًا ما بدأت تنتشر، ولكن ليس بالمعدل المطلوب، فإذا رأوا أداء اللاعبات المصريات في المباريات، حتمًا سيزيد الإقبال عليها والاهتمام بها، وأيضًا الإقبال على مشاهدة مباريات كرة القدم النسائية " هذا التصريح يعكس

  

بصدق الإحباط الذي تشعر به العديد من اللاعبات في قطاع الرياضة النسائية، نتيجة التهميش الإعلامي وضعف الدعم المؤسسي.

 لم تكن ياسمين تتحدث عن تجربتها فقط، بل كانت تمثل صوت الكثير من الفتيات اللاتي يملكن الموهبة لكنهن يفتقرن للدعم والفرص. سلطت الضوء على الدور المحدود للمدربين والقادة الرياضيين في تمكين الرياضة النسائية، مشيرة إلى أن الفرص المتاحة أمام اللاعبات ما تزال نادرة، رغم ظهور وعي متزايد – وإن كان بطيئًا – بأهمية هذه الرياضة.

غياب التغطية الإعلامية والتقدير المجتمعي لا ينعكس فقط على اللاعبات أنفسهن، بل يعرقل تطور كرة القدم النسائية ويبطئ خطوات التغيير نحو بيئة رياضية أكثر شمولًا. فرغم ما تحققه اللاعبات من إنجازات ملموسة، سواء على مستوى الأداء أو النتائج، لا تزال وسائل الإعلام تخصص جل اهتمامها للرجال، متجاهلة حضور المرأة ومساهمتها في هذا المجال.

هذا التفاوت الحاد في التغطية يكرّس فجوة واضحة بين الجنسين داخل المشهد الرياضي، ويقود إلى تهميش دور النساء، ليس فقط إعلاميًا، بل أيضًا اقتصاديًا. إذ تحظى الفرق الرجالية برعايات تجارية وتمويل سخي، بينما تعاني الفرق النسائية من نقص الدعم، فتواجه تحديات كبيرة في الاستمرار والتطور. ويتجلى ذلك بوضوح في البث التلفزيوني؛ فبينما تُخصص ساعات طويلة لتحليل مباريات الرجال، تُترك مباريات السيدات في الظل، غالبًا دون نقل مباشر أو حتى إشارة إلى نتائجها.

ولا يقتصر الأثر على الصورة الإعلامية، بل يسهم في ترسيخ القناعة بأن كرة القدم "رياضة ذكورية"، ما يصعب على الفرق النسائية بناء قاعدة جماهيرية صلبة. فالجمهور لا يتابع ما لا يُعرض عليه، مما يضعف فرص الاستثمار والاكتشاف المبكر للمواهب، ويجعل قصص اللاعبات الملهمات طي النسيان، رغم ما تحمله من تحديات وإنجازات تستحق تسليط الضوء.

ورغم وجود محاولات محدودة في بعض الدول لتعزيز الرياضة النسائية عبر الاستثمارات الحكومية والشراكات، إلا أن الفجوة بين دعم الرياضة الرجالية والنسائية لا تزال واضحة، وتؤثر بشكل مباشر على فرص النساء في ممارسة الرياضة وتحقيق التميز. وفي مصر، لا تزال التحديات متعددة: نقص التمويل، غياب الأنشطة الرياضية المخصصة للفتيات في مراكز الشباب، تدني الرواتب، وقلة التمثيل النسائي في المناصب التدريبية والقيادية. كل ذلك يترافق مع ثقافة اجتماعية ترى بعض الرياضات حكرًا على الذكور.

إن التغيير يبدأ من الاعتراف بهذه التحديات، ومنح الرياضة النسائية ما تستحقه من اهتمام وتمثيل، في الإعلام والمؤسسات والمجتمع.

اليونسكو:4% من التغطية الإعلامية للرياضة النسائية

ومع ذلك، هناك مبادرات مثل فريق

"SheWolves"

 لكرة القدم الأمريكية النسائية في القاهرة

، الذي تحدى هذه الصور النمطية وحقق نجاحات ملحوظة .على الرغم من زيادة الجوائز المالية في بعض البطولات النسائية، إلا أن الفجوة لا تزال كبيرة. على سبيل المثال، خصص "الفيفا" 110 ملايين دولار كجوائز مالية لبطولة كأس العالم للسيدات، بينما خصص 440 مليون دولار لبطولة الرجال.

كما أن متوسط حضور مباريات الدوري الإنجليزي للرجال يبلغ 40 ألف متفرج، بينما لا يزيد عن 6 آلاف في مباريات السيدات. وبالمثل، يبلغ متوسط حضور مباريات الدوري الأميركي للنساء قرابة 5 آلاف فرد، بينما لا تقل مباريات الذكور عن 21.5 ألف مشجع في المتوسط. كما تتلقى الفرق الرياضية النسائية تمويلاً أقل بكثير مقارنة بالفرق الرجالية. على سبيل المثال، في جامعة جورجتاون الأمريكية، حصلت فرق الرجال على تمويل يزيد عن ضعف ما حصلت عليه فرق النساء في موسم 2022-2023

وفقًا لليونسكو، تحصل الرياضيات على 4% فقط من إجمالي التغطية الإعلامية الرياضية، وتشكل النساء 12% فقط من مقدمي الأخبار الرياضية، رغم أن النساء يشكلن 40% من المشاركين في الرياضة. أيضًا تعتبر جودة التغطية لفرق النساء أقل، مع استخدام تقنيات تصوير وصوت أقل جودة.

و تعد الجوائز المالية للرياضات النسائية أقل بكثير من نظيرتها الرجالية. فعلى سبيل المثال، يحصل بطل "Tour de France Femmes" على 50000 يورو، بينما يحصل بطل "Tour de France" على عشرة أضعاف هذه الجائزة ، وفي بعض الدول، مثل ويلز، تم التوصل إلى اتفاق لدفع أجور متساوية للاعبين واللاعبات، حيث وافق الرجال على التخلي عن 25% من أجورهم لضمان المساواة. وفي الولايات المتحدة، نجحت اللاعبات في رفع دعاوى قضائية ضد اتحاداتهن للمطالبة بالمساواة في الأجور، مما أدى إلى تعهدات من الاتحادات بتوزيع الجوائز المالية بالتساوي بين الرجال والنساء.

 

Previous
Previous

ليست للرجال فقط! رحلة المرأة في عالم كرة القدم..كفاح نحو التهمي والعدالة الرياضية في ظل غياب الأندية الكبرى..وادي دجلة يحتكر لقب الدوري المصري لسنوات

Next
Next

لم تعد حكراً على الرجال:نساء يتصدرن بطولات الرياضات الإلكترونية