الألعاب الإلكترونية .. من الترفيه إلى صناعة بمليارات الدولارات أرباح فاقت 470 مليار دولار خلال 2024 .. الولايات المتحدة في الصدارة
تحقيق: حبيبة وائل، حبيبة عثمان، نيرة أحمد،ماجدة حازم
في كثير من البيوت، يخوض الآباء والأمهات مفاوضات يومية مع أبنائهم حول لعب الألعاب الإلكترونية، وبالنسبة لكثير من الأسر، تبدو ألعاب الفيديو مجرد وسيلة ترفيه قد تعطل الدراسة أو الأنشطة الأخرى، لكن ما لا يدركه البعض هو أن هذه الألعاب والرياضات الإلكترونية يمكن ألا تكون مجرد وقت ضائع، فهي هي جزء من اقتصاد عالمي مزدهر، فهي أصبحت واحدة من أكثر الصناعات ربحية في العالم، حيث تقدر قيمتها بمليارات الدولارات وتوفر فرص عمل ومجالات استثمارية ضخمة.
لم يكن هذا التحول مجرد أرقام وإحصائيات، بل قصة عاشها الكثيرون ممن بدأوا علاقتهم بالألعاب كشغف شخصي، قبل أن يتحول إلى مسار مهني ناجح، أحد هؤلاء هو غازي بيضون، الذي اعتاد قضاء ساعات طويلة في مقاهي الإنترنت في لبنان، وسط معارضة والده الذي رأى في الألعاب مجرد مضيعة للوقت، لكن غازي كان يرى الأمور بمنظور مختلف؛ فهذه الألعاب لم تكن مجرد وسيلة للترفيه، بل كانت عالمًا من الفرص والتحديات، وبعد سنوات، أثبت أن شغفه لم يكن بلا جدوى، إذ بدأ حياته المهنية في المبيعات، ثم انتقل إلى دبي ليعمل في تكنولوجيا المعلومات، قبل أن ينضم في عام 2017 إلى شركة "جيمرز هاب"، التي أصبحت اليوم واحدة من أبرز منصات الرياضات الإلكترونية في المنطقة، التي تهتم بتطوير مسابقات الرياضات الإلكترونية بمعايير دولية، وتوسيع الفرص التجارية للاعبين والمطورين.
ولم تكن هي الشركة الوحيدة التي أدركت حجم هذه الصناعة الواعدة، بل أصبحت صناعة الألعاب الإلكترونية ظاهرة عالمية تمتد من الشرق إلى الغرب، حيث تشهد هذه الصناعة نموًا متسارعًا في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط.
ويأتي الاهتمام بهذه الصناعة في ظل زيادة الوصول إلى الإنترنت وانتشار الهواتف الذكية، حيث يشترك اللاعبون في بطولات يحققون من خلالها أرباحا، ويحصلون على تدريب ورعاية من كبرى الشركات.
:عدد اللاعبين وفرص العمل
يشارك في ممارسة الألعاب الإلكترونية أكثر من 3.4 مليار شخص حول العالم، من بينهم نحو 574 مليون شخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد أسهم هذا الانتشار الواسع في خلق العديد من فرص العمل ذات الدخل المرتفع، حيث وفرت الصناعة أكثر من 1.8 مليون وظيفة في الولايات المتحدة وحدها، بإجمالي أجور تجاوز 104 مليارات دولار.
أكدت الدراسة أن سوق صناعة الألعاب الإلكترونية في مصر شهد طفرة تمثلت في ظهور شركات جديدة محليًا، مقارنة بما قبل عام 2021 حيث وصل عدد الشركات العاملة في هذا القطاع إلى ما لا يقل عن (18) شركة، كما وصل عدد المطورين الذين يعملون في تصميم وتطوير الألعاب الإلكترونية إلى ما يقرب من (500) مطور؛ بنسبة نمو وصلت 65% عن عام 2020.
وبالنظر إلى حجم سوق الألعاب الإلكترونية العالمية، فقد تجاوزت قيمته 270 مليار دولار أمريكي في عام 2024. ووفقًا لإحصائيات "ستاتيستا"، حقق قطاع الألعاب الإلكترونية أرباحًا فاقت 470 مليار دولار خلال نفس العام، مع توقعات بنمو هذه الأرقام بشكل كبير بحلول عام 2029.
وعلى الرغم من تصدر الولايات المتحدة والصين لهذه الصناعة، فإن دول الشرق الأوسط تظهر بشكل واضح في خريطة التنافس بهذا المجال، حيث شهد اهتمامًا متزايدًا خلال السنوات الأخيرة، واعترفت عدة دول بالألعاب الإلكترونية كرياضة تحت مسمى "الرياضة الإلكترونية".
وبعد تحولها من كونها مجرد وسيلة ترفيهية إلى صناعة ضخمة تدر مليارات الدولارات، قُدّر حجم سوق الألعاب في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بحوالي 6.34 مليار دولار أمريكي في عام 2024، مع توقعات بارتفاع هذا الرقم بشكل ملحوظ بحلول عام 2029.
: أكبر الأسواق العربية إنفاقًا على الألعاب الإلكترونية
شهد عام 2024 نموًا ملحوظًا في حجم الإنفاق على الألعاب الإلكترونية في المنطقة العربية، حيث تصدرت السعودية قائمة الدول الأعلى إنفاقًا، مسجلة زيادة واضحة مقارنة بالعام السابق، وهو ما يعكس توسع السوق المحلي وارتفاع اهتمام المستهلكين بهذه الصناعة. كما برزت مصر كأحد الأسواق النشطة، مع تسجيلها ارتفاعًا ملحوظًا في حجم الإنفاق، مما يعكس تزايد الإقبال على هذا القطاع.
وفي المقابل، شهدت دول مثل العراق والجزائر والإمارات اهتمامًا متصاعدًا بالألعاب الإلكترونية، حيث تفاوتت مستويات الإنفاق بما يعكس اختلاف حجم السوق وتطوراته في كل دولة. أما المغرب والسودان، فقد أظهرا توجهًا متزايدًا نحو الاستثمار في هذا القطاع.
وفي دول الخليج، مثل الكويت وقطر، كان هناك إنفاق متقارب على الألعاب الإلكترونية، مما يشير إلى وجود أسواق ناشئة تحمل فرصًا واعدة للنمو خلال السنوات المقبلة. كما سجل لبنان حضورًا ملحوظًا في هذا المجال، على الرغم من التحديات الاقتصادية التي قد تؤثر على وتيرة نمو هذا القطاع.
: استراتيجيات تنموية لتعزيز صناعة الألعاب
وفي ظل هذا النمو المتسارع لصناعة الألعاب الإلكترونية في المنطقة، برزت السعودية كإحدى الدول الرائدة في الاستثمار بقطاع الألعاب الإلكترونية، حيث تبنت استراتيجية شاملة منذ عام 2022 لتطوير هذه الصناعة. وشملت الاستراتيجية إنشاء هيئة متخصصة لتنظيم القطاع وتوفير الدعم المالي واللوجستي للشركات، إلى جانب تنظيم فعاليات ومسابقات تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة كمركز عالمي للألعاب الإلكترونية.
أما مصر، فقد تميزت بامتلاكها أكبر قاعدة من اللاعبين في المنطقة، وتسعى لتعزيز حضورها في هذا المجال ضمن رؤية 2030. وعلى الرغم من عدم وجود استراتيجية مستقلة لصناعة الألعاب، إلا أن الدولة أطلقت عدة مبادرات لدعم المواهب الشابة، كان أبرزها تدريب الآلاف على تصميم وبرمجة الألعاب الرقمية، إلى جانب دعم تأسيس شركات متخصصة في هذا المجال.
وفي الإمارات، ساهمت مبادرة "أبوظبي للألعاب والرياضات الإلكترونية"، التي أُطلقت في عام 2021، في تعزيز بيئة هذه الصناعة من خلال تطوير بنية تحتية حديثة تضم أستوديوهات متطورة، ومرافق إنتاج متكاملة، وشبكات اتصال فائقة السرعة. وقد أدى هذا إلى جذب المزيد من المواهب والمستثمرين، مما عزز مكانة الدولة في السوق الإقليمي.
بينما ركزت المغرب على تنمية هذا القطاع من خلال العمل على خمسة محاور أساسية، تضمنت تطوير ممارسة الألعاب، وتنظيم منافسات وطنية ودولية، وإعداد كوادر متخصصة في هذا المجال. كما عملت على تعزيز حضورها في الهيئات الإقليمية والدولية، ومواكبة التحول الرقمي في قطاع الرياضة، مما أسهم في تنمية هذا القطاع بشكل تدريجي.
ومع استمرار تطور هذه الصناعة، يبدو أن المستقبل يحمل المزيد من الفرص، سواء على صعيد تطوير الألعاب، أو إقامة البطولات العالمية، أو حتى دعم المواهب الشابة لتكون جزءًا من هذا الاقتصاد المزدهر. لذلك، فإن مواكبة هذا التطور ودعم استراتيجيات الاستثمار والابتكار في صناعة الألعاب الإلكترونية، يمثل خطوة محورية لتعزيز مكانة الدول في هذا القطاع العالمي المتنامي.