الألعاب الالكترونية: عالم بديل يخطف الأطفال من الواقع..إدمان يهدد الصحة النفسية والجسدية

باحثون:ترفع  مستويات الدوبامين في الدماغ، بطريقة مشابهة للإدمان الكيميائي

تحقيق: ماجدة حازم، نيرة عثمان

في الماضي، كانت الطفولة تُقاس بصوت الضحكات في الشوارع، برائحة التراب بعد المطر، وبأقدام صغيرة تلهث خلف الكرة. اليوم، تغيرت الصورة… شاشات مضيئة، عوالم افتراضية، وأطفال لا يرفعون أعينهم عن أجهزتهم لساعات. هل نحن أمام جيل يعيش طفولة حقيقية، أم أننا نصنع عالماً رقمياً يبتلع براءتهم؟

اللعب على حافة الموت:

< كيف يمكن للألعاب الإلكترونية أن تدفع الأطفال إلي تصرفات مميتة؟ كان من المفترض أن تكون لعبة بريئة على الإنترنت، مجرد عالم افتراضي حيث تبني الشخصيات بيوتًا وتكوّن صداقات، تبدو كلعبة لطيفة ومُسالمة تمامًا، لكنها تحولت إلى كابوس حقيقي لعائلة صغيرة في فلوريدا، عندما كادت طفلتهم التي تبلغ من العمر 10 سنوات أن تتسبب في كارثة فعليّة.
تلك الطفلة الصغيرة، التي بدت بريئة وغير مدركة لعواقب أفعالها، كادت تقتل شقيقها الرضيع، البالغ من العمر شهرين، بعد أن قامت 'متعمدة' بإسقاطه على أرض المطبخ الصلبة، مما تسبب في إصابات خطيرة للطفل، لكنه نجا لحسن الحظ.
لكن ما الذي دفع طفلة في عمر الزهور إلى هذا الفعل المروع؟ الإجابة قد تكون صادمة... فقد كانت الطفلة تتبع تعليمات تلقتها من خلال لعبة "روبلوكس"، حيث تواصلت مع سيدة مجهولة دفعتها إلى ارتكاب هذا العمل العنيف، بل وحتى التخطيط لإيذاء باقي عائلتها.
هذه القصة ليست مجرد حادثة فردية؛ إنها جرس إنذار يدق بحدّة حول المخاطر الخفية للألعاب الإلكترونية التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الأطفال. هل يمكن لعالم افتراضي أن يتحول إلى تهديد حقيقي؟ خلف الألوان الزاهية والشخصيات الجذابة، قد تختبئ مخاطر حقيقية تهدد سلامة الأطفال جسديًا ونفسيًا…

متعة تتحول إلى قيد:


كيف يؤدي إدمان الألعاب الإلكترونية إلي تأثيرات سلبية على صحة الأطفال وسلوكهم؟

الألعاب الإلكترونية لم تعد مجرد وسيلة ترفيه، بل أصبحت عالمًا بديلًا يُغري اللاعب بالهرب من الواقع. بتصميماتها الجذابة وقدرتها على محاكاة حياة كاملة، تمنحك تلك الألعاب فرصة للعيش في عالم من صنعك أنت. شخصيتك، قوانينك، وحتى مغامراتك. لكن هذا العالم المثالي قد يتحول بسهولة إلى إدمان، خاصة عند الأطفال الذين يتأثرون بسرعة بكل ما يرونه ويسمعونه.
في عام 2023، أجرى الدكتور محمد رياض أحمد عبدالحليم والباحث مصطفى محمد عبدالمحسن الحديبي بحثًا عن إدمان الألعاب الإلكترونية وتأثيره على الأطفال المصريين. وأوضح البحث أن هذه الألعاب ترفع من مستويات الدوبامين في الدماغ، وهو ما يحفز الشعور بالنشاط والاندفاع، بطريقة مشابهة للإدمان الكيميائي.
خطورة هذا الإدمان دفعت منظمة الصحة العالمية عام 2018 إلى إدراج اضطراب إدمان الألعاب الإلكترونية ضمن قائمة الأمراض العقلية المُعترف بها دوليًا. الدراسات أكدت أن الأطفال المدمنين على الألعاب يواجهون انخفاضًا في التحصيل الدراسي، وضعفًا في الذاكرة على المدى البعيد، بالإضافة إلى العزلة الاجتماعية نتيجة قضاء ساعات طويلة مع شخصيات افتراضية بدلاً من التفاعل الواقعي.
الأمر لا يتوقف هنا؛ إذ أظهرت دراسات الجمعية الأمريكية للطب النفسي أن الأطفال المدمنين على الألعاب أكثر عرضة للقلق، الاكتئاب، واضطرابات السلوك مثل العنف وزيادة الصراعات بين زملائهم. كما يُعانون من انخفاض تقدير الذات والشعور بالوحدة النفسية.
بينما تساهم الألعاب الشعبية التقليدية في تحسين مهارات التواصل والمشاركة، قد تقود الألعاب الإلكترونية إلى الانطوائية وربما أعراض خطيرة مثل التوحد، الصرع، والهلوسة السمعية والبصرية. لذا من المهم أن نراقب أطفالنا عن قرب، ولا نتركهم يغرقون في عالم افتراضي قد لا يعودون منه…

أضرار جسدية:


كيف يمكن لنمط الحياة الخامل الناتج عن الألعاب الإلكترونية على صحة الأطفال في المستقبل؟

هل تخيلت يومًا كيف سيبدو أطفالك في المستقبل إذا استمروا في قضاء ساعات طويلة أمام الشاشات دون حركة أو نظام صحي متوازن مع كل هذه الأضرار الجسدية المتوقعة؟
دراسة توقعت الشكل المستقبلي للاعبين ΟνλινεΧασινο.χα أجرى موقع الإلكترونيين خلال 20 عامًا إذا لم يتبنوا أسلوب حياة صحي. تضمنت الدراسة تحليل التأثيرات السلبية لنمط الحياة الخامل، مثل قلة الحركة وسوء التغذية وقضاء ساعات طويلة أمام الشاشات. وخلصت النتائج إلى أن اللاعبين قد يواجهون مشاكل جسدية خطيرة مثل انحناء الظهر، ضعف البصر، شحوب البشرة، وزيادة الوزن، مما يشكل تحذيرًا واضحًا حول ضرورة تحقيق توازن بين الألعاب الإلكترونية والصحة الجسدية. إذا لم يتدخل الآباء اليوم لوضع نظام حياة صحي لأطفالهم، فقد يصبح هذا الشكل المخيف هو الواقع الحتمي لجيل المستقبل!

محتوى يسرق براءة الأطفال:


كيف تؤثر الألعاب الإلكترونية العنيفة على سلوك الأطفال وتشكيل مفاهيم حول العنف والصواب؟ قد تبدو الألعاب الإلكترونية مجرد وسيلة للترفيه، لكنها تحمل في طياتها تأثيرات أعمق على عقول الأطفال. فبينما تساعد بعض الألعاب في تنمية مهارات التفكير الاستراتيجي وحل المشكلات، فإن الألعاب العنيفة مثل PUBG، Call of Duty، وResident Evil قد تترك آثارًا مقلقة على سلوك الأطفال، مما قد يشوّه قدرتهم على التمييز بين الصواب والخطأ.
لا تقتصر هذه الألعاب على مشاهد العنف المفرط، بل تتضمن أحيانًا محتويات غير لائقة مثل السلوكيات العدوانية، اللغة المسيئة، والتمييز العنصري، ما قد يؤدي إلى تطبيع هذه المفاهيم في أذهان الأطفال. ومع التعرض المستمر، قد يتحول العنف من مجرد مشهد رقمي إلى سلوك واقعي. يحذر خبراء التربية وعلم النفس من أن الانغماس في هذه الألعاب لساعات طويلة قد يغيّر سلوك الطفل، فيصبح أقل صبرًا وأكثر عصبية، مع تراجع قدرته على التعامل مع الآخرين بشكل صحي. ومع مرور الوقت، قد تترسخ هذه التأثيرات، مما يجعل من الضروري على الأهل مراقبة المحتوى الذي يتعرض له أطفالهم والتأكد من أنه يناسب أعمارهم وقيمهم.

تسلية باهظة الثمن:


(كيف تؤدي المشتريات داخل الألعاب الإلكترونية إلي تشوية فهم الأطفال لقيمة المال والإدارة المالية؟) تخيل أن تفتح حسابك البنكي لتكتشف أن مدخراتك قد تبخرت… ليس بسبب عملية احتيال، بل لأن طفلك أنفقها بالكامل على ألعاب إلكترونية!
هذا ما حدث فعليًا في الصين عام 2023، عندما أنفقت فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا 64 ألف دولار على مشتريات داخل الألعاب دون علم والدتها. لم تكتفِ بالشراء لنفسها، بل استخدمت أموال والديها لتمويل أصدقائها في اللعب أيضًا! لم تكتشف والدتها "غونغ ييوانغ" الكارثة إلا بعد تلقيها اتصالًا من المدرسة، يشير إلى أن ابنتها أصبحت مهووسة بالألعاب الإلكترونية، لتتفاجأ لاحقًا بأن حسابها المصرفي قد تم استنزافه بالكامل تقريبًا.

هذه الواقعة تسلط الضوء على مشكلة أعمق تتعلق بكيفية تأثير الألعاب الإلكترونية على فهم الأطفال لقيمة المال. عندما ينخرط الأطفال في هذه الألعاب، خاصة تلك التي تتضمن مشتريات داخلية، قد يتشوه إدراكهم لقيمة المال الحقيقي. قد يعتقدون أن المال مجرد وسيلة للحصول على متعة فورية داخل اللعبة، دون استيعاب الجهد المبذول في كسبه. هذا الفهم المشوه يمكن أن يؤدي إلى سلوكيات مالية غير مسؤولة في المستقبل، حيث يكبر الطفل دون تعلم مهارات إدارة المال أو تقدير قيمته.
لذلك، من الضروري أن يولي الآباء والأمهات اهتمامًا خاصًا لنشاطات أطفالهم في الألعاب الإلكترونية. يجب فرض قيود على المشتريات داخل الألعاب وتوجيه الأطفال نحو فهم قيمة المال والجهد المطلوب لكسبه. بالإضافة إلى ذلك، يُنصح بتعليم الأطفال مهارات الإدارة المالية منذ سن مبكرة، لضمان نموهم ليصبحوا أفرادًا مسؤولين ماليًا في المستقبل.

الجانب المظلم للألعاب الإلكترونية:


كيف تتحول الألعاب الإلكترونية إلي بيئة للتنمر، الاحتيال، والاستغلال الإلكتروني للأطفال؟ بينما توفر الألعاب الإلكترونية فرصًا رائعة للترفيه والتعلم، فإنها تحمل أيضًا العديد من المخاطر التي قد تؤثر سلبًا على الأطفال. أحد أبرز هذه المخاطر هو التنمر الإلكتروني، حيث يمكن أن تبدأ التفاعلات في الألعاب متعددة اللاعبين كمنافسات ودية، ولكن سرعان ما تتحول إلى تنمر أو تحرش. قد يصل الأمر إلى نشر صور أو معلومات شخصية عن اللاعبين دون إذنهم.
إلى جانب ذلك، تتعرض الأجهزة للفيروسات عندما يقوم اللاعبون بتنزيل الألعاب من مواقع غير موثوقة، مما يعرض بياناتهم للخطر. ومن المخاطر الأخرى الاستيلاء على الحسابات، حيث يستهدف المتسللون حسابات الأطفال لسرقة العملات الرقمية أو البيانات الشخصية.

مثلًا، قالت ميللي (11 عامًا) إنها شعرت بالانهيار بعد أن تمت سرقة كل أموالها وحسابها في لعبة Roblox، بينما ذكر كالوم (14 عامًا) أنه فقد جميع الأزياء المميزة في اللعبة، مما جعله يشعر بالإحباط.
المخاطر لا تقتصر على ذلك، بل تشمل أيضًا الكلام البذيئ والجنسي والتحرش الإلكتروني، حيث يستغل المتحرشون بيئة الألعاب لاستهداف الأطفال، بالإضافة إلى عمليات الاحتيال في ألعاب القمار، حيث يصبح الأطفال عرضة لسرقة أموالهم أو العناصر داخل اللعبة. في النهاية، الألعاب الإلكترونية، رغم فوائدها، تحمل الكثير من المخاطر التي يجب أن ينتبه لها الآباء.
المخاطر لا تقتصر على ذلك، بل تشمل أيضًا الكلام البذيئ والجنسي والتحرش الإلكتروني، حيث يستغل المتحرشون بيئة الألعاب لاستهداف الأطفال، بالإضافة إلى عمليات الاحتيال في ألعاب القمار، حيث يصبح الأطفال عرضة لسرقة أموالهم أو العناصر داخل اللعبة. في النهاية، الألعاب الإلكترونية، رغم فوائدها، تحمل الكثير من المخاطر التي يجب أن ينتبه لها الآباء.
المخاطر لا تقتصر على ذلك، بل تشمل أيضًا الكلام البذيئ والجنسي والتحرش الإلكتروني، حيث يستغل المتحرشون بيئة الألعاب لاستهداف الأطفال، بالإضافة إلى عمليات الاحتيال في ألعاب القمار، حيث يصبح الأطفال عرضة لسرقة أموالهم أو العناصر داخل اللعبة. في النهاية، الألعاب الإلكترونية، رغم فوائدها، تحمل الكثير من المخاطر التي يجب أن ينتبه لها الآباء.

رسالة للآباء والمجتمع:

كيف يمكن للرقابة الأبوية والمشاركة الفعّالة أن توازن بين الألعاب الإلكترونية والصحة النفسية والجسدية للأطفال

في عصر الألعاب الإلكترونية، لا يكفي أن يكون الآباء مجرد مراقبين. يجب أن يكونوا جزءاً من عالم أطفالهم الرقمي. إليكم السر: استخدام برامج الرقابة الأبوية يمكن أن يجعل الاختيار أسهل وأكثر أمانًا. من خلال هذه البرامج، يمكن تحديد الألعاب المناسبة للأطفال ومراقبة الوقت الذي يقضونه أمام الشاشة. بالإضافة إلى ذلك، توفر مواقع التقييم المتخصصة تقييمات دقيقة للمحتوى الذي يتعرض له الطفل، مما يساعد الآباء في اتخاذ قرارات صحيحة.

لكن الأهم من ذلك، لا تقتصر المسؤولية على الرقابة فقط. فمشاركة الآباء في اللعب مع أطفالهم لا تعزز فقط الفهم المتبادل للعبة نفسها، بل تُقوي أيضًا الروابط العائلية. التفاعل مع الطفل، وسؤاله عن لعبته المفضلة، يساعد في بناء حوار مفتوح حول الفرق بين العالم الافتراضي والواقع، وهذا يعزز وعيهم بشكل كبير.
من أجل التوازن، يمكن للأهل تحديد أوقات اللعب الإلكترونية بجانب الأنشطة البدنية والاجتماعية. لماذا لا تحفزون أطفالكم على الرياضة أو الأنشطة الفنية مثل الحرف اليدوية؟ هذه الأنشطة لا تعزز إبداعهم فحسب، بل تساعدهم على الابتعاد عن الشاشات. لا تنسوا المكافآت الصغيرة التي تجعلهم يشعرون بالإنجاز. كما تقول الدكتورة هند عبد العزيز (أستاذة علم النفس والفلسفة والحاصلة على دكتوراة في المناهج وطرق التدريس) : “لازم يكون فيه قدوة، الأباء كمان لازم يكونوا بيمارسوا أنشطة تانية في اليوم غير الشاشات عشان الأولاد يقلدوهم”.

فإذا كان الآباء يقضون وقتًا بعيدًا عن الشاشات، سيقلدهم أطفالهم حتمًا. لا تنسوا أيضًا أن توضحوا لهم المخاطر المحتملة للألعاب وكيفية حماية أنفسهم من الاحتيال وحماية بياناتهم الشخصية. في النهاية، ليس الخطأ في الألعاب الإلكترونية ذاتها، بل في الطريقة التي تُستخدم بها. الطفل الذي يقضي ساعات خلف الشاشات يفقد شيئًا من واقعه مع كل دقيقة تمر. وبينما نجادل حول فوائد الألعاب وأضرارها، هناك جيل بأكمله يتشكل وفق قواعد افتراضية. فهل سنتركهم ليعيشوا طفولة رقمية باردة، أم سنعيد لهم حرارة الحياة الحقيقية؟
Previous
Previous

الألعاب الإلكترونية .. من الترفيه إلى صناعة بمليارات الدولارات أرباح فاقت 470 مليار دولار خلال 2024 .. الولايات المتحدة في الصدارة

Next
Next

وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات :أكثر من 1000مطور و 20 شركة..مصر تمتلك إمكانيات كبيرة فى مجال الألعاب الالكترونية