التدريب الذهني.. السلاح الخفي الذي يصنع اللاعب العالمي

تقرير / حبيبة وائل ، حبيبة عثمان ، محمد علاء

في عالم كرة القدم، كثيرًا ما تتجه الأنظار نحو القوة البدنية، السرعة، والمهارات الفنية التي تُبهر الجماهير وتُغري الكشافين، لكن ما يغيب عن وعي الكثيرين هو أن اللعبة لا تُحسم فقط بالأقدام، بل بالعقول، فاللاعب الذي يعرف متى يتحرك، وأين يقف، وكيف يتخذ القرار الصحيح في جزء من الثانية، غالبًا ما يكون هو من يصنع الفارق.
ورغم أن كرة القدم تُبنى على أربعة أركان أساسية: البدني، الفني، النفسي، والذهني، إلا أن معظم الأكاديميات والمراكز التدريبية في مصر والعالم العربي تنشغل بالجوانب الثلاثة الأولى، وتتجاهل الرابعة، وكأن العقل ليس جزءًا من جسد اللاعب، وهنا تمامًا يظهر مركز "فوتجينيكس" كحالة فريدة في المشهد التدريبي المحلي، باعتباره أول كيان رياضي مصري يُخصص برامجه لتدريب وتطوير القدرات الذهنية للاعبي كرة القدم.

فكرة المركز. . من نقص السوق إلى نموذج عالمي


في حواره مع موقع "Esportegy"، يقول أحمد توني، رئيس قسم الأبحاث والتطوير بفوتجينيكس: "حين بدأنا في فوتجينيكس، كنا مدفوعين بحقيقة واحدة، أن المواهب المصرية قادرة على المنافسة عالميًا، لكنها تفتقر إلى تدريب متكامل يضع العقل في موقعه الصحيح داخل الملعب، لاحظنا نقصًا حادًا في الجانب الذهني، رغم أهميته، وهذا ما دفعنا لتأسيس المركز."

ويشرح توني أن الفكرة تأسست على نموذج عالمي معتمد يُعرف بـ"نموذج الزوايا الأربع"، والذي يضع الجوانب الذهنية على قدم المساواة مع البدنية والفنية والنفسية، لكنه يؤكد أن السائد في مصر هو التركيز على اللياقة البدنية والتحمل، بينما يتم تجاهل أمور مثل سرعة رد الفعل، أو القدرة على قراءة الملعب واتخاذ القرار السليم، وهي عوامل تصنع، بحسب وصفه، "الفرق بين لاعب عادي وآخر عالمي".

ولادة في وقت الأزمة


تأسس "فوتجينيكس" فعليًا في بدايات جائحة كورونا، وهي فترة مثقلة بالتحديات على كافة المستويات، إلا أن فريق العمل رأى فيها فرصة لإعادة التفكير في أساليب التدريب الكلاسيكية، قال توني: "واجهنا في البداية مقاومة كبيرة، ليس فقط من اللاعبين أو أولياء الأمور، بل حتى من بعض المدربين الذين ظنوا أننا نحاول استبدالهم، لكننا أوضحنا منذ اليوم الأول أننا لسنا بديلًا عن أي جهاز فني، بل شريك داعم له.

أجهزة يستخدمها "فوتجينيكس"

واحدة من أبرز نقاط القوة التي تميز "فوتجينيكس" هي اعتماده على تكنولوجيا متقدمة تُستخدم في كبرى الأندية الأوروبية، من بين هذه الأدوات:
• Elite Skills Arena
• SoccerBot 360
• VR Vision

هذه الأجهزة، وفقًا لتوني، تتيح خلق بيئة تدريب ذهني شديدة الواقعية، تُحاكي مواقف اللعب المختلفة، وتُسجل أداء اللاعب لحظة بلحظة، ثم تُحللها باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، والنتيجة تكون بيانات دقيقة حول الانتباه البصري، التوقع، الذاكرة العاملة، وردة الفعل.
يضيف توني: "اللاعب لم يعد يتدرب فقط ليجري أو يسدد، بل ليتعلم كيف يرى، كيف يفكر، وكيف يسبق الخصم ذهنيًا قبل أن يتحرك جسديً.

خطة تدريب تبدأ بالتشخيص وتنتهي بالتفوق


يتبع المركز نظامًا دقيقًا يبدأ بإخضاع اللاعب لاختبار تشخيص شامل، يُقاس من خلاله عدد من المؤشرات الذهنية الأساسية، مثل سرعة ردة الفعل، القدرة على التوقع، الانتباه البصري، والذاكرة العاملة، وعلى ضوء النتائج، يُعد المركز تقريرًا مفصلًا يتكون من عشر صفحات، يتم فيه تقييم اللاعب مقارنة بفئته العمرية والمستويات العالمية، ثم يتم بناء برنامج تدريبي خاص يناسب احتياجاته الدقيقة.حيث قال توني: "نحن لا نقدم تدريبات جماعية مكررة، بل نضع برنامجًا ذهنيًا مصممًا لكل لاعب على حدة. اللاعب هنا لا يتمرن فقط، بل يفهم نفسه، ويعرف أين يقف في مسيرته الكروية.

من أكبر المفاهيم الخاطئة المنتشرة في الأوساط الكروية المصرية، هو أن التدريب الذهني "يتدخل" في عمل المدرب الفني أو البدني. لكن توني يوضح أن مركز فوتجينيكس لا يضع نفسه في موقع بديل عن المدربين، بل يعمل في تكامل معهم، ويوضح أن بعض المدربين المتفهمين بدأوا فعلاً في دمج توصيات فوتجينيكس ضمن برامجهم التدريبية اليومية، ما ساهم في تحسين الأداء العام للفريق.

اللاعب المصري والقرار تحت الضغط


أحد أبرز التحديات التي يعاني منها اللاعب المصري، خصوصًا في فئات الناشئين، هو اتخاذ القرار السليم تحت الضغط. في كثير من المباريات، نلاحظ أن اللاعب يمتلك المهارة واللياقة، لكنه يفقد التركيز في لحظات الحسم، إما بتمرير خاطئ أو تسديدة متسرعة.

ويوضح توني أن هذه الحالات ليست مجرد أخطاء فنية، بل غالبًا ما تكون نتيجة ضعف في التدريب الذهني. فالعقل غير المُجهز للتعامل مع الضغط لا يستطيع تحليل المعطيات بشكل سريع، مما يؤدي إلى قرارات عشوائية. "الكرة لعبة قرارات، وليست مجرد جري وتسديد. اللاعب المتفوق هو من يستطيع أن يتخذ القرار الصحيح في أقل من ثانية، وهذا ما ندرب عليه في فوتجينيكس"، يقول توني.

قصص نجاح .. وأندية كبرى تثق بالفكرة


رغم أن عمر المركز لا يتجاوز بضع سنوات، فإن نتائجه بدأت تتحدث عن نفسها. من بين أبرز الحالات التي يذكرها توني:

• اللاعب كريم حامد، كان يلعب في نادي الزمالك في عام 2005، و تدرج في التدريب الذهني داخل المركز حتى وصل إلى الاحتراف.
• اللاعب سيف الخشاب، الذي بدأ من سبورتنج، ثم انتقل إلى إنبي، ثم احترف في الدوري اليوناني.
• التعاون مع أندية بحجم الإسماعيلي والمقاولون العرب.
• التعاون مع منتخب مصر للسيدات تحت 17 سنة.

"هذه النتائج دليل على أن الاستثمار في العقل يسبق الفوز في المباريات، اللاعب الذي يُدرب ذهنيًا يصبح أكثر وعيًا، وأكثر تركيزًا، ويقل معدل خطئه تحت الضغط"، كما يؤكد رئيس قسم الأبحاث.

التدريب الذهني في العالم .. وأين نحن؟


عالميًا، بدأت الأندية الكبرى منذ سنوات في إدخال برامج التحفيز العصبي والذهني ضمن وحداتها التدريبية. نادي لايبزيغ الألماني، على سبيل المثال، يستخدم غرفة كاملة لمحاكاة المواقف الذهنية، بينما تستعين أندية مثل مانشستر سيتي بأخصائيين نفسيين ومدربي ذهن بدوام كامل.

في المقابل، يعاني اللاعب العربي من نقص حاد في هذا الجانب، ويرجع ذلك جزئيًا إلى غياب التوعية بأهمية العقل الرياضي، وكذلك لضعف الاستثمارات في هذا النوع من التدريب، الذي يُنظر إليه باعتباره "كماليًا" وليس أساسيًا.

هل يمكن تدريب الذكاء؟


قد يتساءل البعض، هل الذكاء الكروي موهبة فطرية أم مهارة يمكن اكتسابها؟ ويؤكد توني أن الذكاء، مثل أي مهارة أخرى، يمكن تدريبه وتطويره. ويوضح: "هناك لاعبون ولدوا بسرعة بديهة ووعي مكاني ممتاز، مثل الأرجنتيني ليونيل ميسي، لكن هناك آخرون يصلون لنفس المستوى من خلال تدريب منتظم مثل البرتغالي كريستيانو رونالدو، وهذا هو جوهر فلسفتنا: أن الذكاء الكروي ليس حكرًا على أحد.
Next
Next

ما بعد الاعتزال: حياة نجم كرة القدم حين ينطفئ الضوء