ما بعد الاعتزال: حياة نجم كرة القدم حين ينطفئ الضوء
تقرير/ روان محمد
يعيش لاعب كرة القدم في السنوات الأولى من شبابه ومسيرته الكروية حياة مليئة بالانضباط والالتزام. يبدأ يومه صباحا بالتدريبات ويستمر أسبوعه فيها للحفاظ على لياقته البدنية ومستواه الرياضي، والتحضير للاستعداد للبطولات. خارج الملعب يحضر اللاعب المؤتمرات واجتماعات الفريق ويقابل حشد من الجمهور حيث يعيش تحت أضواء الشهرة لسنوات من عمره لا تنفك أصوات الهتافات عن أذنيه ولا التصفيق الحار له.
يصف اللاعب علي الحمادي في لقاءات صحفية أجرها ( البالغ من العمر٢٣ عاما) والذي انتقل إلى نادي إيبسويتش تاون في يناير/ كانون الثاني 2024 أن الحياة الكروية قد تكون مملة للغاية! ويضيف "بالنسبة لي، حياتي هي: الاستيقاظ ثم الصلاة والتدريب والأكل والنوم. قد نحصل على استراحة قصيرة في الصيف فقط ولكن بعد ذلك تعود على نفس الروتين.
من الناحية المالية انت في وضع متميز كلاعب كرة قدم ولكن لا يمكنك القيام بأي شيء تريده لانك يجب أن تلتزم بأمور كثيرة."
لا تُعد كرة القدم مجرد رياضة بالنسبة للاعبين، بل هي محور حياتهم. فعندما تتوقف مسيرتهم، يفقد الكثيرون منهم شعورهم بالهدف والمعنى. فبعد سنوات من الروتين الصارم، والأدرينالين المتدفق، والشهرة، والمكاسب والخسائر، والعوائد المادية الضخمة، يأتي المصير الحتمي: الاعتزال وتوديع الملاعب، مما يفتح الباب أمام تحديات نفسية وجسدية كبيرة.
قال اللاعب إريك كانتونا في تصرحات له وهو لاعب كرة قدم فرنسي سابق ولد عام 1966، ويعد أحد أشهر اللاعبين في الدوري الفرنسي في الثمانينيات والدوري الإنجليزي الممتاز في التسعينيات : «بعض اللاعبين عندما يتوقفون عن اللعب، يشعرون أنه لم يعد لهم وجود في الحياة». الشيء الذي أثبتته دراسات علم النفس أجريت فيما بعد عن مفهوم الاكتئاب التقاعدي والذي يزداد في حالة لاعبيين كرة القدم. حيث يفني اللاعب معنى حياته فيها، فيزداد شعوره بالوحدة الشديدة والتهميش المجتمعي وفقدان القدرة على التفكير بعيدا عن الملعب وأضواءه.
خلصت دراسة أجرتها النقابة الدولية للاعبي كرة القدم للمحترفين (فيفبرو) إلى أن 34 في المائة من اللاعبين السابقين فوق الـ40 يعانون التهاب عظام المفاصل. وفي عام 2018 توصلت دراسة «ستيت أوف سبورت» إلى أن نصف الرياضيين المحترفين السابقين يعانون مخاوف تتعلق بسلامتهم الذهنية، نظراً لأن الاعتزال يثير لدى اللاعب شعوراً بـ«الخسارة» و«الندم». وقال سيمون تايلور، من اتحاد اللاعبين المحترفين، إنه: «من المألوف أن يتحدث اللاعبون عن شعورهم بالحداد والأسى».
اعتزل إريك كانتونا في سن الـ30 وعن هذا قال: «كنت صغيراً بما يكفي لأن أعاود اللعب إذا شئت، لكنني لم أرغب في ذلك. ولتجنب هذا الإغراء، تجنبت مشاهدة كرة القدم لسنوات. ويبدو الأمر برمته أشبه بالحبوب المنومة والتاجر الذي يبيعها، فلو أن التاجر الذي يبيعك الحبوب كان قريبا منك، تصبح مهمة التوقف عن تعاطيها أصعب. والرياضة شبيهة بالحبوب المنومة، فجسدك عند التوقف عنها يفتقد الأدرينالين. فسيولوجياً، من الصعب التوقف عن الرياضة، وبعد ذلك يصبح من الصعب للغاية التوقف عنها من الناحية السيكولوجية». ولدى سؤاله عما إذا كان يمكن الاستعانة بشيء آخر، أجاب: «نعم، ينبغي البحث عن شغف آخر».
قال كلارك كارليسل رئيس رابطة اللاعبين المحترفين في إنجلترا سابقا، خلال فيلم وثائقي شارك فيه عن الصحة الذهنية: «كنت أحاول استيعاب حقيقة أنني لن ألعب كرة القدم مجدداً أبدا وعجزت، لأن هذا كان أنا، أنا كلارك لاعب كرة القدم. ولم أتمكن من إيجاد سبب آخر قد يدعو أي شخص للشعور بالفخر بي. وفكرت في نفسي أنني سأتناول كل هذه الأقراص وأتخلص من حياتي لأنه من دون كرة القدم سيراني الآخرون على حقيقتي ـ وهي أنني لا شيء. جلست على المقعد وتناولت الأقراص وانتظرت الموت. كم كنت أحمق!»
أما على مستوى المنظمات المسؤولة عن تأهيل اللاعبيين، فأغلبية المنظمات والمؤسسات المعنيّة بالاهتمام بالشأن التأهيلي سواء النفسي أو المهني للاعب هي مؤسسات أوروبية في الأساس، حيث نفتقد في عالمنا العربي مثل هذه المؤسسات التي تؤهل اللاعب لحياة ما بعد الاعتزال.
فمن هذه البرامج التي تهتمّ بتهيئة وتقديم الدعم للاعبيين:
١/برنامج الانتقال المهني من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA CTP):
يوفر هذا البرنامج دعمًا للاعبين المحترفين للتخطيط لمستقبلهم المهني بعد الاعتزال، من خلال تحديد المهارات القابلة للتحويل وفهم الفرص الوظيفية المتاحة.
٢/ برنامج “The Trust” من اتحاد لاعبي NFL:
يقدم هذا البرنامج دعمًا شاملاً للاعبي كرة القدم الأمريكية بعد الاعتزال، بما في ذلك التطوير الشخصي والمهني، والموارد الصحية والمالية.
٣/ مبادرات رابطة لاعبي كرة القدم المحترفين (PFA) في إنجلترا:
تقدم PFA برامج متعددة لدعم اللاعبين بعد الاعتزال، مثل “RECONNECT” الذي يركز على اللياقة البدنية والصحة النفسية، ومدرسة الأعمال PFA Business School التي توفر تعليمًا في مجالات مثل الإدارة الرياضية وتحليل البيانات
وعي اللاعب الفردي هو في حد ذاته مصدر قوة لتخطي هذه المرحلة والتفكير في حياته المستقبلية كما نجد اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي يواصل استثماراته في مجموعة من الشركات التي تعمل في قطاعات مختلفة، حيث يمتلك شركة استثمارية سمَّاها CR7، متخصصة فى الأزياء والقمصان الرياضية والجوراب والأحذية والملابس الداخلية، كما بدأ استثماراته في قطاع الفنادق في عام 2017 بالبرتغال، ليصبح رونالدو واحداً من أبرز الأسماء في عالم التجارة والمال.
الاعتزال مصير حتمي يواجهه كل لاعب كرة قدم سواء اعتزال قهري كإصابة تمنع من ممارسة اللعب أو الاعتزال لكبر السن، ويظل التحضير النفسي والمهني لما بعده ضرورة حقيقية لضمان الانتقال الآمن من أضواء الملاعب وأدرينالين الشهرة إلى الحياة الجديدة بأقل خساير نفسية وجسدية ممكنة.
يصف اللاعب علي الحمادي في لقاءات صحفية أجرها ( البالغ من العمر٢٣ عاما) والذي انتقل إلى نادي إيبسويتش تاون في يناير/ كانون الثاني 2024 أن الحياة الكروية قد تكون مملة للغاية! ويضيف "بالنسبة لي، حياتي هي: الاستيقاظ ثم الصلاة والتدريب والأكل والنوم. قد نحصل على استراحة قصيرة في الصيف فقط ولكن بعد ذلك تعود على نفس الروتين.
من الناحية المالية انت في وضع متميز كلاعب كرة قدم ولكن لا يمكنك القيام بأي شيء تريده لانك يجب أن تلتزم بأمور كثيرة."
لا تُعد كرة القدم مجرد رياضة بالنسبة للاعبين، بل هي محور حياتهم. فعندما تتوقف مسيرتهم، يفقد الكثيرون منهم شعورهم بالهدف والمعنى. فبعد سنوات من الروتين الصارم، والأدرينالين المتدفق، والشهرة، والمكاسب والخسائر، والعوائد المادية الضخمة، يأتي المصير الحتمي: الاعتزال وتوديع الملاعب، مما يفتح الباب أمام تحديات نفسية وجسدية كبيرة.
ما بعد الاعتزال
التحديات التي يواجهها لاعب كرة القدم عند الاعتزال كثيرة سواء كانت التحديات النفسية أو الجسدية أو حتى الشعور بفقدان المعنى والهوية الذاتية بل يصل الأمرأحيانا إلى تحديات ذهنيّة عديدة.قال اللاعب إريك كانتونا في تصرحات له وهو لاعب كرة قدم فرنسي سابق ولد عام 1966، ويعد أحد أشهر اللاعبين في الدوري الفرنسي في الثمانينيات والدوري الإنجليزي الممتاز في التسعينيات : «بعض اللاعبين عندما يتوقفون عن اللعب، يشعرون أنه لم يعد لهم وجود في الحياة». الشيء الذي أثبتته دراسات علم النفس أجريت فيما بعد عن مفهوم الاكتئاب التقاعدي والذي يزداد في حالة لاعبيين كرة القدم. حيث يفني اللاعب معنى حياته فيها، فيزداد شعوره بالوحدة الشديدة والتهميش المجتمعي وفقدان القدرة على التفكير بعيدا عن الملعب وأضواءه.
خلصت دراسة أجرتها النقابة الدولية للاعبي كرة القدم للمحترفين (فيفبرو) إلى أن 34 في المائة من اللاعبين السابقين فوق الـ40 يعانون التهاب عظام المفاصل. وفي عام 2018 توصلت دراسة «ستيت أوف سبورت» إلى أن نصف الرياضيين المحترفين السابقين يعانون مخاوف تتعلق بسلامتهم الذهنية، نظراً لأن الاعتزال يثير لدى اللاعب شعوراً بـ«الخسارة» و«الندم». وقال سيمون تايلور، من اتحاد اللاعبين المحترفين، إنه: «من المألوف أن يتحدث اللاعبون عن شعورهم بالحداد والأسى».
قالوا عن الاعتزال
ولد زين الدين زيدان في 23 يونيو 1972 في مرسيليا بفرنسا، وهو أحد أكثر الأشخاص شهرة في كرة القدم، الدي تميزت مسيرته بالبطولات والتفوق العالي سواء كلاعب أو بعد انتقاله ليصبح مدربا بعد التوقف عن اللعب ، قال زيدان بعد الاعتزال وعلى شعوره تجاه التوقف عن الللعب: «أذهب أحياناً لركل الكرة في الجدا لمدة 10 دقائق. وأشعر حينها وكأنني حصلت على الجرعة المناسبة. أفتقد دفقة الأدرينالين القوية في عروقي، لكنني لا أفتقد باقي حياة اللعب بكرة القدم». ومع ذلك، شعر زين الدين بالفراغ في إطار الدور الاستشاري الذي أوكل إليه، ولذلك قرر الشروع في التدريب.اعتزل إريك كانتونا في سن الـ30 وعن هذا قال: «كنت صغيراً بما يكفي لأن أعاود اللعب إذا شئت، لكنني لم أرغب في ذلك. ولتجنب هذا الإغراء، تجنبت مشاهدة كرة القدم لسنوات. ويبدو الأمر برمته أشبه بالحبوب المنومة والتاجر الذي يبيعها، فلو أن التاجر الذي يبيعك الحبوب كان قريبا منك، تصبح مهمة التوقف عن تعاطيها أصعب. والرياضة شبيهة بالحبوب المنومة، فجسدك عند التوقف عنها يفتقد الأدرينالين. فسيولوجياً، من الصعب التوقف عن الرياضة، وبعد ذلك يصبح من الصعب للغاية التوقف عنها من الناحية السيكولوجية». ولدى سؤاله عما إذا كان يمكن الاستعانة بشيء آخر، أجاب: «نعم، ينبغي البحث عن شغف آخر».
قال كلارك كارليسل رئيس رابطة اللاعبين المحترفين في إنجلترا سابقا، خلال فيلم وثائقي شارك فيه عن الصحة الذهنية: «كنت أحاول استيعاب حقيقة أنني لن ألعب كرة القدم مجدداً أبدا وعجزت، لأن هذا كان أنا، أنا كلارك لاعب كرة القدم. ولم أتمكن من إيجاد سبب آخر قد يدعو أي شخص للشعور بالفخر بي. وفكرت في نفسي أنني سأتناول كل هذه الأقراص وأتخلص من حياتي لأنه من دون كرة القدم سيراني الآخرون على حقيقتي ـ وهي أنني لا شيء. جلست على المقعد وتناولت الأقراص وانتظرت الموت. كم كنت أحمق!»
هل يهيئ اللاعبون نفسيا ومهنيا للحياة بعد الاعتزال؟
لا يتهيأ على المستوى الفردي جميع لاعبي كرة القدم نفسيًا ومهنيًا لما بعد الاعتزال بالشكل الكافي ولا بالقدر الذي يحتاجونه للتجاوز عقبة الاعتزال الرياضي. فبينما يبدأ بعض اللاعبين في التخطيط مبكرًا، سواء من خلال دراسة مجالات أخرى مثل التدريب أو الإدارة الرياضية أو الاستثمار، يعيش آخرون في حالة إنكار لفكرة النهاية، ويركزون فقط على مسيرتهم داخل الملعب دون استعداد حقيقي لما بعدها أو دون إدراك لتجنبهم وخوفهم من مواجهه الحقيقة المصيرية في توديع ملاعب كرة القدم كلاعب.أما على مستوى المنظمات المسؤولة عن تأهيل اللاعبيين، فأغلبية المنظمات والمؤسسات المعنيّة بالاهتمام بالشأن التأهيلي سواء النفسي أو المهني للاعب هي مؤسسات أوروبية في الأساس، حيث نفتقد في عالمنا العربي مثل هذه المؤسسات التي تؤهل اللاعب لحياة ما بعد الاعتزال.
فمن هذه البرامج التي تهتمّ بتهيئة وتقديم الدعم للاعبيين:
١/برنامج الانتقال المهني من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA CTP):
يوفر هذا البرنامج دعمًا للاعبين المحترفين للتخطيط لمستقبلهم المهني بعد الاعتزال، من خلال تحديد المهارات القابلة للتحويل وفهم الفرص الوظيفية المتاحة.
٢/ برنامج “The Trust” من اتحاد لاعبي NFL:
يقدم هذا البرنامج دعمًا شاملاً للاعبي كرة القدم الأمريكية بعد الاعتزال، بما في ذلك التطوير الشخصي والمهني، والموارد الصحية والمالية.
٣/ مبادرات رابطة لاعبي كرة القدم المحترفين (PFA) في إنجلترا:
تقدم PFA برامج متعددة لدعم اللاعبين بعد الاعتزال، مثل “RECONNECT” الذي يركز على اللياقة البدنية والصحة النفسية، ومدرسة الأعمال PFA Business School التي توفر تعليمًا في مجالات مثل الإدارة الرياضية وتحليل البيانات
وعي اللاعب الفردي هو في حد ذاته مصدر قوة لتخطي هذه المرحلة والتفكير في حياته المستقبلية كما نجد اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي يواصل استثماراته في مجموعة من الشركات التي تعمل في قطاعات مختلفة، حيث يمتلك شركة استثمارية سمَّاها CR7، متخصصة فى الأزياء والقمصان الرياضية والجوراب والأحذية والملابس الداخلية، كما بدأ استثماراته في قطاع الفنادق في عام 2017 بالبرتغال، ليصبح رونالدو واحداً من أبرز الأسماء في عالم التجارة والمال.
الاعتزال مصير حتمي يواجهه كل لاعب كرة قدم سواء اعتزال قهري كإصابة تمنع من ممارسة اللعب أو الاعتزال لكبر السن، ويظل التحضير النفسي والمهني لما بعده ضرورة حقيقية لضمان الانتقال الآمن من أضواء الملاعب وأدرينالين الشهرة إلى الحياة الجديدة بأقل خساير نفسية وجسدية ممكنة.