معايير الأزياء الرياضية النسائية .. بين الأداء والضغوط الاجتماعيةفرض تصميمات تخدم مصالح تجارية ببعض الدول الأوروبية، وحرية اختيار الملابس المناسبة بألمانيا و الدنمارك

تقرير:ماجده حازم


لطالما كانت الملابس الرياضية جزءًا أساسيًا من تجربة الرياضيين، حيث يُفترض أن توفر لهم الراحة والدعم اللازمين لتحقيق أفضل أداء. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالملابس الرياضية النسائية، يصبح الأمر أكثر تعقيدًا، حيث لا تقتصر التصميمات على الاعتبارات الوظيفية فحسب، بل تتأثر بعوامل أخرى مثل المعايير الاجتماعية والثقافية وحتى التسويق. هذا الأمر يثير تساؤلات حول مدى تأثير الملابس المفروضة على الرياضيات، سواء من حيث الأداء الرياضي أو الراحة النفسية. فكيف أصبحت الملابس الرياضية النسائية قضية تتجاوز مجرد الأناقة، لتُشكِّل نقطة تقاطع بين الرياضة، الثقافة، والمساواة؟ 

تاريخ الملابس الرياضية النسائية 

على الرغم من التطورات التي شهدتها الملابس الرياضية النسائية عبر العقود، إلا أن هذه التغيرات لم تكن دائمًا في مصلحة الرياضيات، بل كثيرًا ما خضعت لعوامل تجارية وتسويقية فرضت معايير لا تخدم راحتهن أو أدائهن الرياضي. 

في بدايات القرن العشرين، لم تكن النساء قادرات على ممارسة الرياضة بحرية بسبب الملابس المقيدة مثل التنانير الطويلة والمشدات الضيقة، مما جعل الحركة صعبة وغير عملية. ورغم أن الهدف كان الحفاظ على “الأناقة والاحتشام”، إلا أن هذه التصاميم منعت الكثير من النساء من المشاركة في الأنشطة الرياضية.

مع تقدم الزمن، ورغم التحسن في المواد المستخدمة، بدأ تركيز العلامات التجارية والاتحادات الرياضية ينحرف نحو تسليع جسد المرأة بدلًا من تحسين الأداء الرياضي. على سبيل المثال، في الستينيات والسبعينيات، بدأت الملابس تصبح أقصر وأكثر التصاقًا بالجسم بحجة توفير الراحة، ولكن في كثير من الأحيان كان الهدف الحقيقي هو جعل الرياضة أكثر “جاذبية” للجماهير، مما جعل الرياضيات يشعرن بعدم الراحة.

ملابس النساء قديماً في لعبة التنس النسائية

المشدات والتنانير الطويلة والقبعات والقمصان بالأكمام الطويلة وعادةً المرأة كانت تمارس رياضة الجولف في عام 1910

في عام 1920, اختفت كل القيود على الملابس وأصبحت المرأة تلبس التنانير القصيرة وربطات الرأس والقبعات الواقية من الشمس

في 1960, بدأت التنانير والفساتين تعلو الركبة وتصبح أقصر للنساء، وارتدى الرياضيون السراويل القصيرة المصنوعة من النايلون والصدريات القطنية

ملابس غير عملية أم تسليع للمرأة؟

تعاني العديد من الرياضيات من تصاميم ملابس رياضية غير مريحة، مما يدفع البعض إلى ارتداء ملابس معدّلة تتناسب مع معايير الراحة والاحتشام. ومع ذلك، تواجه هؤلاء اللاعبات عقوبات أو ضغوطًا كبيرة بسبب رفضهن للملابس المفروضة عليهن، والتي غالبًا ما تكون مصممة لجذب الانتباه بدلاً من تعزيز الأداء الرياضي.

في كثير من الرياضات، يتم فرض قواعد مختلفة على الرجال والنساء فيما يخص الملابس. على سبيل المثال، في عام 2021، فرض الاتحاد الأوروبي لكرة اليد على اللاعبات ارتداء البكيني أثناء المباريات، بينما يُسمح للرجال بارتداء سراويل مريحة تصل إلى الركبة. هذا التفاوت يعكس تمييزًا واضحًا ضد النساء، حيث تُفرض عليهن ملابس تكشف جزءًا كبيرًا من الجسد، دون وجود سبب عملي حقيقي لذلك.

وقد أثار هذا الأمر اعتراض الفريق النرويجي لكرة اليد الشاطئية، حيث قررت اللاعبات ارتداء سراويل قصيرة بدلاً من البكيني أثناء إحدى المباريات، مما أدى إلى تغريمهن بمبلغ 1500 يورو. هذا القرار أثار جدلًا عالميًا حول حق الرياضيات في اختيار الملابس التي تمنحهن الراحة والحرية أثناء اللعب.

إلى جانب الجانب العملي، فإن فرض ملابس رياضية مكشوفة يمكن أن يؤدي إلى آثار نفسية سلبية على الرياضيات، خاصةً مع التغطية الإعلامية التي تركز على مظهرهن أكثر من أدائهن الرياضي. العديد من اللاعبات أشرن إلى شعورهن بعدم الراحة بسبب القواعد التي تجبرهن على ارتداء ملابس تكشف أجسادهن، مما يجعلهن عرضة للتحرش أو التعليقات غير اللائقة.

بعد الجدل الذي أثاره تغريم الفريق النرويجي، تصاعدت الدعوات لمراجعة القوانين المتعلقة بملابس الرياضيات. ونتيجة لذلك، بدأ الاتحاد الدولي لكرة اليد الشاطئية بمناقشة تغييرات في القوانين، في خطوة نحو منح الرياضيات حرية أكبر في اختيار ملابسهن. ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من الرياضات التي تفرض قواعد تمييزية ضد النساء، مما يستدعي استمرار الضغط من قبل اللاعبات والجماهير والجهات الحقوقية لتغيير هذه السياسات.

 

أمثلة أخرى على الملابس غير المناسبة في بعض الرياضات:

الجمباز: تُصمم الملابس بحيث تكون شديدة الالتصاق بالجسم، مما يبرز تفاصيله وقد يكون غير مريح للاعبات. في خطوة لافتة، ارتدى الفريق الألماني للجمباز في أولمبياد طوكيو 2020 بدلات كاملة تغطي الجسم بالكامل، احتجاجًا على الملابس التقليدية الضيقة التي وصفنها بالجريئة.   

أعضاء فريق الجمباز النسائي الألماني يرتدين بدلات تغطي كامل الجسم في أولمبياد طوكيو بدلًا من البيكيني الذي يرتديه لاعبات الجمباز عادةً

 ‎التنس: رغم التحسن في تصميم الأزياء، إلا أن التنانير القصيرة لا تزال تُثير الجدل بسبب عدم توفيرها تغطية كافية عند اللعب، مما قد يؤدي إلى شعور اللاعبات بعدم الراحة أثناء المباريات. 

ألعاب القوى: بعض التصميمات تجبر اللاعبات على ارتداء بدلات رياضية تكشف الكثير من الجسد، مما يجعل بعضهن غير مرتاحات نفسيًا أثناء التنافس. 

‎هذه الأمثلة تسلط الضوء على الحاجة الملحة لإعادة النظر في معايير ملابس الرياضيات لضمان توفير بيئة رياضية تحترم راحتهن وكرامتهن.

سياسات الملابس الرياضية النسائية في مختلف الدول:

فرنسا ومنع الحجاب في الرياضة

في عام 2024، أقر مجلس الشيوخ الفرنسي مشروع قانون يحظر ارتداء الحجاب في المنافسات الرياضية، مستندًا إلى مبادئ العلمانية التي تتبناها الدولة. هذا القرار أثار جدلاً واسعًا، حيث اعتبرته منظمات حقوقية، مثل منظمة العفو الدولية، انتهاكًا لحقوق الإنسان واستهدافًا للنساء والفتيات المسلمات. المنظمة أشارت إلى أن هذا الحظر يتعارض مع القيم الأولمبية التي تدعو إلى التميز والاحترام.

 

الشرق الأوسط والاحتشام

في المقابل، تتجه بعض دول الشرق الأوسط إلى تبني ملابس رياضية أكثر احتشامًا تتماشى مع القيم الدينية والثقافية. في عام 2014، قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) السماح بارتداء الحجاب في المباريات، مما أتاح للعديد من اللاعبات المسلمات المشاركة دون التعارض مع معتقداتهن الدينية.

 

الغرب والتناقض في الحرية الشخصية 

بينما تدّعي بعض الدول الأوروبية دعم حرية المرأة، إلا أنها لا تمنح اللاعبات حرية اختيار الملابس المناسبة لهن، بل تُفرض عليهن تصميمات محددة تخدم مصالح تجارية وتسويقية. بل يدعّون أيضًا أن سبب منعهم للنساء بارتداء الحجاب أثناء ممارستهن الرياضة هو أن ذاك بد يعيق حركتهن أو يتسبب في إصابات لهن بالرقبة والرأس. هذا التناقض يثير تساؤلات حول تطبيق مفهوم الحرية، حيث تُجبر اللاعبات على ارتداء ملابس قد لا تتماشى مع قيمهن أو راحتهن الشخصية.

ولكن على الجانب الآخر، تُعد ألمانيا والدنمارك من الدول التي بدأت في تغيير سياسات ملابس الرياضيات، حيث تم منح اللاعبات حرية اختيار الملابس التي تناسبهن أكثر. في حين أن بعض الدول لا تزال تُصر على فرض ملابس محددة بحجة “التقاليد الرياضية”، متجاهلةً تأثير هذه الملابس على راحة وأداء الرياضيات.

مجموعة ملابس رياضية للمحجبات أطلقتها (Nike) عام 2018.

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة

اللاعبة الإماراتية (زهرة لاري) ترتدي حجاب نايكي ونشرت صورتها

حوادث التحرش بسبب الملابس الرياضية: 

تسببت الملابس الرياضية المكشوفة في العديد من حوادث التحرش. أشارت دراسة نُشرت في “إلى أن 60% من الرياضيات البريطانيات تعرضن لتعليقات غير لائقة The Guardian” أو مضايقات بسبب ملابسهن الرياضية.

فعلى سبيل المثال، تعرضت نجمة التنس الروسية (ماريا شارابوفا) لحادثتين منفصلتين من ،”WTA Championship” بطولة  خلال مطاردين مهووسين أحدهما اقتحم الملعب في مدريد عام 2005. كما عاشت لاعبة التنس الأمريكية (سيرينا ويليامز) لحظات رعب بسبب مطاردة أحد المشجعين لها، حيث تم القبض عليه بالقرب من منزلها في ولاية فلوريدا.

وكذلك، في عام 2025، أُشير إلى أن لاعبة التنس البريطانية (إيما رادوكانو) تعرضت لموقف محرج من قبل مشجع مهووس، مما أدى إلى بكائها خلال مباراتها مع التشيكية كارولينا موخوفا في بطولة دبي المفتوحة للتنس. وشهد مونديال روسيا 2018 حوادث تحرش مروعة طالت مشجعات وصحفيات، فقد كانت حوادث تحرش تفوق أي نسخة سابقة من البطولة.

عن تعرض368 لاعبة جمباز على الأقل لاعتداءات جنسية في صالات رياضية مرموقة “USA Today”و  “The Indianapolis Star”  وفي الولايات المتحدة، كشف تحقيق اجرته صحيفتا

عند النظر في أغلب تلك حوادث التحرش التي تتعرض لها الرياضيات، نلاحظ أن النسبة الأكبر منها تطال لاعبات الجمباز والتنس، وهما من أكثر الرياضات التي تفرض ملابس ضيقة وملتصقة بالجسم تبرز مفاتن النساء. وهذا يؤكد ضرورة إعادة النظر في تصميمات الملابس الرياضية النسائية، فالمسألة لم تعد تقتصر على الراحة الجسدية أثناء اللعب فقط، بل تجاوزتها إلى التعدي على الرياضيات واستغلالهن، مما يستوجب حلولًا جذرية تحميهن داخل وخارج الملاعب.

المدرب (جيفري بتمان) المتهم بتسجيل 469 مقطع فيديو لـ49 لاعبة بعد تثبيت كاميرات سرية في غرف ملابس اللاعبات بصالات في أوريجون وكاليفورنيا

‎المدرب (مارفن شارب) الذي انتحر في السجن بعد اتهامه بتصوير اللاعبات القاصرات عاريات

 أهمية تصميم ملابس تحترم كرامة المرأة في الرياضة: 

إن تصميم الملابس الرياضية للنساء يجب أن يركز على تحقيق الراحة النفسية والجسدية بدلاً من التركيز على الجانب التسويقي أو الإثارة البصرية. تُظهر العديد من الدراسات أن اللاعبات اللواتي يرتدين ملابس أكثر راحة وأقل كشفًا يشعرن بثقة أكبر أثناء اللعب ويحققن أداءً أفضل. “أن 88% من اللاعبات The Guardian” على سبيل المثال،أظهرت دراسة نشرتها البريطانيات يفضلن ارتداء ملابس رياضية أقل كشفًا ولكنهن مضطرات لاتباع القوانين المفروضة عليهن في بعض البطولات.

 

تعاني الرياضيات من ضغوط مجتمعية كبيرة بسبب الملابس التي تُفرض عليهن في البطولات، حيث يُنظر إليهن أحيانًا كمجرد أدوات ترويجية لجذب الجماهير والمعلنين بدلًا من الملابس القصيرة في الرياضات مثل الجمباز وكرة اليد الشاطئية بعد احتجاجات متعددة من اللاعبات.

وعلى الرغم من هذه التطورات، إلا أن بعض الدول لا تزال بحاجة إلى بذل جهود أكبر في إصلاح قوانين اللباس الرياضي النسائي، بحيث يُسمح للرياضيات باختيار الملابس التي تعزز راحتهن دون أن يتعرضن لعقوبات أو انتقادات.

في النهاية، رغم التقدم الذي يشهده العالم في مجال حقوق المرأة والمساواة، لا يزال هناك فجوة كبيرة عندما يتعلق الأمر بملابس الرياضيات، حيث يتم فرض معايير تتعارض مع راحتهن وكرامتهن. إن إعادة النظر في تصميم الملابس الرياضية النسائية لم يعد مجرد قضية تتعلق بالأداء الرياضي، بل أصبح ضرورة لحماية اللاعبات من التمييز، والتحرش، والاستغلال الإعلامي. يجب على الاتحادات الرياضية والشركات المصنعة منح الرياضيات حرية اختيار ما يناسبهن، مع التركيز على المعايير التي تعزز الأداء وتحترم ثقافاتهن. فالرياضة ليست ساحةً لفرض معايير جمالية أو تسويقية، بل ميدانٌ لتحقيق الإنجازات والتحديات، ويجب أن تكون بيئةً تحترم جميع من يشاركن فيها.

Previous
Previous

لم تعد حكراً على الرجال:نساء يتصدرن بطولات الرياضات الإلكترونية

Next
Next

 الرياضة النسائية.. سلاح صامد ضد عدو صامتكيف يكون النشاط البدنى خط الدفاع الأول ضد فقدان الكثافة العظمية لدى النساء؟