الرياضات النسائية في مجتمعاتنا: ما الذى يجعل طريق البطولات صعباً امام النساء؟
تقرير:منه عامر/روان محمد
منذ نعومة اظافرنا، ترسّخت في أذهاننا أن "العقل السليم في الجسم السليم"، باعتبار الرياضة ركيزة أساسية للصحة الجسدية والنفسية والعقلية. وعلى مدى قرون، ظل النشاط البدني وسيلة لتقوية الجسد وقياس القدرات من خلال المنافسات والبطولات
ورغم هذا الإرث الطويل، بقي حضور المرأة في المجال الرياضي محدودًا لفترة ليست بالقصيرة، بفعل قيود اجتماعية وثقافية وصور نمطية لطالما قلّلت من شأن مشاركتها. لكن هذا الواقع بدأ يتغير تدريجيًا، حيث تشهد الرياضة النسائية اليوم نموًا ملحوظًا، ليس فقط على صعيد المشاركة، بل في قدرتها على إعادة تشكيل التصورات المجتمعية حول دور المرأة في الساحة الرياضية.
ولم تعد الدعوات لممارسة الفتيات للرياضة حبيسة الشعارات، بل أصبحت مدعومة ببيانات وأبحاث تؤكد أهمية تمكين المرأة رياضيًا، دون أن تتحول الفروقات البيولوجية إلى مبرر للإقصاء أو الحد من مشاركتها..
التحديات الصحية في الرياضات النسائية
تواجه النساء أنواع من التحديات المختلفة عن الرجل خصوصا عند الحديث عن النشاط البدني والرياضة والتأهل للبطولات، والتي بدورها تتطلب معرفة ودراية عن هذه التحديات والاختلاف في التكوين الجسدي والهرموني، فالاعتراف بهذه الاختلافات واستغلالها يتيح أكثر وضع كل شيء في نصابه الصحيح وتزويد فرص كفاءة جسد المرأة، فالحمل والدورة الشهرية والتغيرات الهرمونية وهيكل الجسد الأنثوي ظلوا ذريعة اقصاء للمرأة من ممارسة حتى النشاطات الرياضية البسيطة للصحة العامة، مع مورثات خاطئة عن خطورة ممارسة النساء للرياضات التي ثبتت في عقول البعض خطورة النشاط البدني على الجنين مثلا:
الرياضة أثناء الحمل نقمة أم نعمة؟
لطالما ارتبط الحمل في الوعي الجمعي بالراحة والخمول، باعتباره مرحلة “هشة” في حياة المرأة يجب أن تتجنب فيها أي مجهود بدني. لكن هذا التصور تغير كثيرًا في العقود الأخيرة، مع ظهور أبحاث علمية تؤكد أن ممارسة الرياضة خلال الحمل لا تمثل خطرًا – بل تقدم فوائد صحية عديدة تفوق أي مخاطر محتملة، بشرط مراعاة الظروف الخاصة بكل حالة والمتابعة الطبية المستمرة.
تشير الدراسات إلى أن نحو 88% من النساء الحوامل يمارسن شكلاً من أشكال النشاط البدني، وهو ما بات موصى به من قبل الخبراء. فالرياضة خلال الحمل لا تقتصر على تحسين اللياقة العامة، بل تساعد أيضًا على تقليل آلام الظهر، وتحسين الهضم، وتنظيم زيادة الوزن، وتسهيل استعادة الجسم لشكله بعد الولادة. كما يمكن أن تساهم في تقليل احتمالات الإصابة بسكري الحمل، أو تسمم الحمل، أو حتى تقليل الحاجة للولادة القيصرية، فالحمل نفسه مراحله طويلة ومؤلمة ومتغيرة على الأم تشكل تحديًا كبيرا في محاولة التأقلم الجسدي والنفسي وهو ما يساعد على تحسينه ممارسة الرياضة بانتظام.
بالنسبة للنساء الرياضيات اللاتي يشاركن في رياضات عنيفة، مثل الملاكمة أو كرة القدم، فالتوصيات تميل إلى تقليل الاحتكاك المباشر أثناء الحمل. لكن هذا لا يعني التوقف عن التدريب تمامًا. بل يمكن الاستمرار في التمارين المعدّلة، دون احتكاك، لدعم الصحة البدنية والعقلية، طالما سمحت الحالة الصحية بذلك.
كما أن الحمل يغيّر الكثير في جسم المرأة، مما قد يزيد من خطر الجفاف، أو ارتفاع درجة الحرارة، أو انخفاض مستويات السكر في الدم. وفي بعض الحالات، قد تؤدي التمارين الشاقة إلى تفاقم مشاكل صحية موجودة مسبقًا، مثل هشاشة العظام، أو ضعف عضلات الحوض، أو آلام المفاصل.
كيف تتحكم الدورة الشهرية في أداء الرياضيات؟
تعيش النساء حياتهن في دورات من التغيرات الهرمونية العنيفة نظرا لطبيعة أجسامهن، فالشيء الذي يميز الرياضيات هو التدفق المستمر للتغيرات الهرمونية التي تؤثر عليهن - وبالأخص بسبب الدورة الشهرية. يمكن أن يؤثر هرمون الاستروجين والبروجسترون، اللذان يرتفعان وينخفضان خلال مراحل مختلفة من الدورة الشهرية ، على مستويات الطاقة والتعافي وحتى خطر الإصابة، وحتى على النفسية والتغيرات المزاجية المستمرة.
ففي بعض مراحل الدورة، يرتفع هرمون الإستروجين، والذي يعرف بتأثيره الإيجابي على المزاج والطاقة، مما ينعكس على التحمل البدني والدافع للتمرين، خصوصًا في الرياضات التي تتطلب جهدًا عالٍ واستمرارية. في المقابل، يزداد إفراز هرمون البروجسترون في مراحل أخرى، والذي له تأثير حراري يرفع من درجة حرارة الجسم، ما قد يؤثر على راحة وكفاءة التمارين، خاصةً في الأجواء الحارة أو الرطبة.
ولا يتوقف التأثير عند ذلك، بل إن تقلب مستويات الهرمونات يمكن أن يؤثر على قوة العضلات، وسرعة التعافي، ومستوى الأداء العام. وهنا تأتي أهمية أن تكون الرياضيات على وعي بمكانهن في الدورة الشهرية، فالفهم الجيد لهذه التحولات البيولوجية يساعدهن على تعديل توقيت التمارين، وحتى شدة الأداء، والتغذية المناسبة لكل مرحلة ومعرفة ما يناسبها.
هذا الوعي لا يمنح فقط فهمًا أفضل للجسم، بل يمكن أن يكون وسيلة لتعزيز الأداء وتجنب الإجهاد أو الإصابات في الفترات الحساسة والرحمة بالجسد في الأوقات التي تتطلب راحة.
علاقة مضطربة مع الأكل.
تقول الدكتورة كندرا بيكر أخصائية علم النفس السريري في Mass General Brigham لبرنامج الطب الرياضي للمرأة ومديرة الأبحاث الانتقالية لبرنامج اضطرابات الأكل السريرية والبحثية في مستشفى ماساتشوستس، أن هناك تركيز شديد على صورة الجسد والهوس بفقدان الوزن خاصة بالنسبة لرياضيات لديهن ضغوط إضافية للأداء الجيد حيث يتم تشجيعهم على التدريب الجاد وبناء العضلات وفقدان الدهون.
كما أضافت أن بعض الرياضات التي تعتمد على الحُكم الذاتي أو التحكيم الفني مثل الباليه، والجمباز، والغوص، والتزلج على الجليد، بيئة خصبة لظهور اضطرابات الأكل بين اللاعبات. ففي هذه الرياضات، يكون للمظهر الخارجي والوزن دور كبير في التقييم، مما يدفع الكثير من اللاعبات – خصوصًا على المستويات التنافسية العالية – للبحث عن كل ما يمنحهن “أفضلية”، حتى لو كان ذلك على حساب صحتهن.
في المقابل الرياضات الجماعية مثل الكرة الطائرة أو الكرة اللينة (سوفتبول) قد تلعب دورًا وقائيًا، حيث تقل فيها الضغوط المرتبطة بالمظهر الفردي، ويغلب عليها الطابع الجماعي والدعم المتبادل، ما يُقلل من احتمالية تطور سلوكيات الأكل المضطربة.
تؤكد دكتورة بيكر، المتخصصة في التغذية الرياضية، أن النحافة المفرطة لا تعني بالضرورة الأداء الأفضل ولا الصحة الجيدة حيث أن الرياضيون بحاجة إلى تغذية كافية لدعم ما يفعلونه. فالجسم يحتاج إلى سعرات حرارية ودهون وعناصر غذائية من كل المجموعات الغذائية ليعمل بكفاءة ويقدّم أفضل أداء عند ممارسة المجهود البدني المنتظم والكثير من الأحيان شاق.
فواحدة من أبرز الحالات الناتجة عن تقييد الأكل المفرط تُعرف باسم “نقص الطاقة النسبي في الرياضة” (RED-S)، وهي حالة تحدث عندما لا يتناول الرياضي سعرات حرارية كافية لتغطية متطلبات جسمه من الطاقة، خاصة مع التدريب المكثف.
وتشمل عواقب
RED-S
انخفاض الطاقة العامة، مما يؤثر سلبًا على الأداء الرياضي ويزيد خطر الإصابات.
اضطراب في الهرمونات، مثل انخفاض مستوى الإستروجين، مما يؤدي إلى اضطراب الدورة الشهرية ويؤثر على الصحة الإنجابية، وكذلك وظائف القلب والدماغ.
ضعف في كثافة العظام، مما يزيد احتمالية التعرض للكسور والإصابات.
تراجع في كفاءة الجهاز المناعي، وبالتالي تقل القدرة على مقاومة العدوى
مشاكل في الجهاز الهضمي، مثل الانتفاخ أو الإمساك.
زيادة خطر الإصابة بالاضطرابات النفسية، كالاكتئاب والقلق.
سبل الوقاية والعلاج:
بديل عن توافر الدعم الطبي المتخصص المستمر للرياضيات، سواء في مراحل تغيرات أجسادهن الهرمونية في الدورة الشهرية أو في فترات الحمل والمتابعة الطبية المستمرة المتخصصة والمتفردة لكل حالة.
التوازن الغذائي والاهتمام بالتغذية السليمة ونشر التوعية يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من أي خطة تدريبية، فعلى سبيل المثال ، خلال المرحلة الجرابية في الدورة الشهرية ، يجب على الرياضيات التفكير في تناول الأطعمة الغنية بالحديد لدعم فقدان الدم الذي يحدث نتيجة للحيض. ودمج الأطعمة مثل اللحوم الحمراء الخالية من الدهون والفاصوليا والعدس والخضروات الورقية في وجباتهم الغذائية. أيضا يمكن دعم امتصاص الحديد بشكل أكبر من خلال ضمان الحصول على ما يكفي من فيتامين سي إلى جانب هذه الأطعمة الموجودة في الأطعمة مثل عصير البرتقال والبروكلي.
الترطيب الداخلي بشرب كميات ماء وسوائل التي يحتاجها الجسم ( ٣لتر) يمكن أن يكون مفتاح لتعويض السوائل المفقودة في الحيض والحمل وتقليل جفاف الجسم.
يحتاج الرياضيون والمدربون والمتخصصون في الرعاية الصحية للاعبة الحامل على حد سواء إلى تحقيق التوازن بين متطلبات التدريب للرياضة من خلال تحديد المخاطر مقابل الفوائد البدنية (على سبيل المثال، احتمال نتائج الحمل السلبية مقابل فقدان التدريب) ، والصحة النفسية (آثار الصحة العقلية للتدريب مقابل عدم التدريب). قد يتغير التغيير في توازن المخاطر مقابل الفائدة بشكل متكرر مع تقدم الحمل، وبالتالي فإن التواصل المنفتح مع الرياضي والمشاركة في صنع القرار أمر ضروري.
بالرغم من الإنجازات المتزايدة التي تحققها الرياضيات حول العالم، ما زالت الطريق محفوفة بالعقبات الجسدية والنفسية والثقافية والتقاليد التي تعيق حتى صحة المرأة الغير راغبة في بطولات، من تحيّزات مجتمعية وتوقعات لشكل الجسد، إلى تحديات صحية معقدة مثل اضطرابات الأكل وتأثيرات الدورة الشهرية وفترات الحمل. ومع ذلك، فإن وعي المرأة بجسدها، ودعم الجهات الرياضية والطبية، قادران على صناعة فرق حقيقي. فتمكين الرياضيات لا يقتصر على منحهن فرصًا متساوية، بل يشمل أيضًا فهم خصوصية أجسادهن، وتوفير بيئة آمنة ومتوازنة ليتفوّقن، دون أن يدفعن الثمن من صحتهن أو الشعور بالعار من طبيعتهن التي تميزهن.