حين تتحول اللياقة إلى عبء: كيف تصنع صور إنستغرام قلقًا من الشكل المثالي؟
تقرير / منة عامر
كشفت تقارير ودراسات حديثة عن تنامي القلق النفسي لدى مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، نتيجة التعرض المتكرر لمحتوى بصري يروّج لصورة "مثالية" للجسد واللياقة البدنية. وأشارت البيانات إلى أن عدداً متزايداً من الأفراد باتوا يشعرون بأن مجهودهم الرياضي لا يكفي، وأن أجسادهم "لا ترقى للعرض"، مما يحوّل تجربة الرياضة من مصدر للثقة والسعادة إلى عبء نفسي دائم.
ونحاول فى هذا التحقيق التعمق في الآليات الخفية لصناعة المحتوى الرياضي المثالي على المنصات الرقمية، وتحليل أثره النفسي على المتابعين، خاصة فئة الشباب، في ظل تزايد المقارنات وضغوط الصورة النمطية..
فتنة اللياقة على إنستغرام: بين الإلهام والوهم
يشارك الملايين من المستخدمين رحلاتهم الرياضية ونصائحهم الغذائية على الإنستغرام، الذي شهد نمواً هائلاً في محتوى اللياقة. حيث استخدم أكثر من 72 مليون منشور على انستغرام وسم #fitspo. وعلى قدر الإيجابية والتحفيز الذي يمثله هذا الانتشار الواسع لتبني أنماط حياة أكثر صحية، الا انه يحمل خطراً أكبر حين يتحول هذا المحتوى الى محتوى غير حقيقي وبمعايير غير واقعية ولا يمكن تحقيقها.
كيف يرى الشباب أنفسهم من خلال الشاشة؟
في دراسة حديثة، توضح مدى حساسية المستخدمين وخاصة الشباب لهذا النوع من المحتوى، أكد المبحوثون أن الشعور بالاستياء وعدم الرضا عن أجسادهم ازداد بزيادة تعرضهم لمنصات التواصل الاجتماعي وتحديدا المعتمدة على المرئيات "visuals" أكثر من النصوص. وهو ما يوضح أهمية فهم حجم التأثير الناتج عن هذا المحتوى وخاصة لهذه الفئة العمرية.
الوهم البصري: حين تصبح معايير الجمال عبئًا نفسيًا
تلعب الصور النمطية وغير الواقعية التي تُروّج لها منصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها "إنستغرام"، دوراً كبيراً في ترسيخ معايير جمالية يصعب، بل ويكاد يستحيل، الوصول إليها. هذا النمط من المحتوى البصري ينعكس سلباً على الصحة النفسية للمستخدمين، ويغذي شعوراً دائماً بعدم الرضا عن شكل الجسم
وتُعد النساء والفتيات الشابات من أكثر الفئات تضرراً من هذه المعايير المفروضة، حيث يواجهن ضغطاً مستمراً للظهور بـ"شكل معين"، ما يرفع من مستويات القلق والتوتر لديهن. وتُظهر الدراسات أن الصور المعدّلة والمثالية لأجسام رياضية يتم تداولها على "إنستغرام" تدفع كثيرين، خاصة النساء، إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين، ما يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في تقدير الذات والرضا الجسدي
كل ذلك يستدعي التوقف عند التأثيرات النفسية العميقة لهذا النوع من المحتوى، والبحث عن آليات لمواجهته، وخلق فضاء رقمي أكثر واقعية وتقبّلاً للتنوع الجسدي
اللياقة المثالية على "إنستغرام": ضغوط نفسية خلف الصور المصفاة
لم تعد الصور المثالية لأجساد رياضية رشيقة مجرد محتوى بصري على "إنستغرام"، بل تحوّلت إلى مصدر دائم للضغط النفسي، خاصة لدى النساء والفتيات الشابات. فقد كشفت دراسات متزايدة أن هذه الصور المعدّلة والمصمّمة بعناية تؤثر بشكل مباشر على صورة الجسد، وتُعزز مشاعر عدم الرضا عن المظهر الخارجي، وهو ما يرتبط بارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق على المدى الطويل.
تواجه المراهقات والشابات تأثيرًا مضاعفًا، إذ يجدن أنفسهن في دوامة من المقارنة الدائمة مع صور تجسد معايير جمال غير واقعية. ورغم تمتع العديد منهن بصحة جيدة ولياقة مناسبة، إلا أن هذا لا يمنع الشعور بالنقص أو التقليل من الذات، ما يؤدي إلى تراجع كبير في الثقة بالنفس وتقدير الذات
ومع التعرض المستمر لهذه الصور، تتفاقم مشاعر القلق والتوتر، حيث يشعر الأفراد بأنهم مطالبون بالوصول إلى شكل "مثالي" لا يعكس الواقع بقدر ما يعكس تقنيات تعديل الصور والإضاءة والزوايا. هذا السعي المحموم نحو الكمال الجسدي لا يخلق فقط شعورًا بعدم الكفاءة، بل يُفرز أيضًا مستويات متزايدة من الاكتئاب والضغط النفسي.
وتُعد المقارنات الاجتماعية السلبية من أبرز نتائج هذا النمط من المحتوى، حيث يشعر المستخدمون بالغيرة والإحباط من نماذج تبدو ناجحة وسعيدة، رغم أن واقعها غالبًا ما يكون بعيدًا عن الصورة المعروضة. وحتى المحتوى الصحي المصمم لتحفيز الجمهور، قد ينقلب إلى عبء نفسي، عندما يفشل المستخدمون في مجاراة المعايير المصنوعة، فيتحوّل الحافز إلى شعور بالفشل وتثبيط في الدافعية
كل هذه التأثيرات تؤكد أن ما يُنشر باسم اللياقة لا يخلو من آثار جانبية نفسية تحتاج إلى وعي ومواجهة. فالتوازن بين الصحة الجسدية والنفسية يبدأ من إدراك حقيقة الصورة، ورفض اللهث وراء معايير لا تعكس الواقع.
ما وراء العضلات: خداع البصر على إنستغرام
في دراسة تم اجراؤها، تبين ان ربع المشاركين قاموا بتعديل أكثر من 40% من الصور التي شاركوها على حساباتهم، بينما يستخدم أكثر من 90% من النساء في دراسة أخرى "الفلاتر" على صورهم قبل نشرها على حساباتهم على الإنستغرام تحديداً.
ومع الانتشار الواسع لأدوات تزييف الصور والفيديوهات وارتفاع معدلات استخدامها، أصبح التعديل على المحتوى قبل نشره هو الطبيعة وليس الاستثناء على الإنستغرام. وبذلك يمكن بسهولة استنتاج ان نسبة كبيرة من محتوى اللياقة والرياضة على هذه المنصة تعرض لنوع من أنواع التعديل قبل نشره، وهذا التطور المستمر يزيد من صعوبة تحديد المحتوى الحقيقي من الزائف، ويزيد من التوقعات المثالية غير الواقعية وبالتالي المشاكل النفسية.
التقنيات التي تصنع الصورة الكاملة
يوجد العديد من التطبيقات والخدمات التي تتيح كل أنواع التعديلات الممكنة على المحتوى المرئي بكل سهولة مثل FaceTune, photoshop express, lightroom, inshot, picsart, body tune وغيرهم الكثير، اضافةً الى أدوات الذكاء الاصطناعي التي تقتحم مجال التعديل بقوة وسرعة، وهو ما يزيد سهولة وواقعية التلاعب بالصور أكثر من أي وقت مضى.
من أشهر التعديلات التي يتم التلاعب بالمحتوى من خلالها:
التنحيف- تحسين العضلات- تعديل الطول- تنعيم البشرة- تعديل الملامح-...
أغلب هذه التعديلات تكون بهدف الظهور بمظهر معين في اعلان او التماشي مع "الترند" الرياضي السائد في هذه الفترة، او لعلاج عيوب معينة او توضيح مميزات معينة. في كل الأحوال، الرغبة في تقديم صورة " مثالية" هو اكبر دافع لتعديل الصور. لان المحتوى الخاص باللياقة او الرياضة غالبا ما يخضع لمعايير معينة للجمال تماماً كما يخضع المحتوى الفني لمعايير معينة. مما يضح صناع المحتوى تحت ضغط المجتمع ويشعرون بالحاجة لأجراء هذه التعديلات.
كيف نحمي عقولنا من فخ الصورة المثالية؟
الوعي هو الحماية.
توعية المستخدمين حول المخاطر النفسية للصور المزيفة لم يعد رفاهية، بل أصبح ضرورة. ومن أحد اهم طرق التوعية هي تعليم المستخدمين كيف يكشفون الصور والفيديوهات المزيفة، وكيف يميزون بين الصور المعدلة والصور الحقيقية.
البيت والمدرسة خط الدفاع الأول
من اهم الأدوار لمكافحة المحتوى المزيف هو دور الاهل والمؤسسات التعليمية في نشر الوعي وتعليم الشاب كيفية الاستخدام الصحي لوسائل التواصل الاجتماعي، ويجب تفعيل دور الاباء في متابعة حسابات الأبناء لحمايتهم وتوعيتهم من المخاطر المحيطة بهم. الى جانب تشجيعهم على التواصل الحقيقي وجهاً لوجه وتذكيرهم ان وسائل التواصل ليست كل شيء.
خطوات نحو سوشيال ميديا صحّية وآمنة
يتم طرح العديد من المقترحات والمبادرات لتنظيم محتوى الصحة واللياقة على منصات التواصل وتحديدا انستغرام لضمان الدقة وحماية المستخدمين من التضليل. ومن ضمن هذه الجهود هناك ايضاً جهود فردية ممثلة في اشخاص ومؤثرين على منصات التواصل نشطين جداً في فضح التعديلات الرقمية والتزييف الذي يقوم به مؤثرو اللياقة البدنية، منهم جون “غوب" دروسي (goob_u2@) الذي ينشر بانتظام على حسابه صور ومقاطع فيديو توضح التلاعب في الصور مثل تشوه الخلفية او تناقض نسب الجسم وعدم توازنها.
الى جانب الحسابات على انستغرام وتيك توك التي يمكن ان يخفي أصحابها هوياتهم للسلامة والأمان الشخصي ويعملون على فضح هذه التعديلات والتلاعب في الصور.
تزييف الصور ومعايير الجمال واللياقة الخيالية ليست مجرد محتوى عابر، بل هو خطر نفسي حقيقي، يهدد نفسية المستخدم ويهدم قيم الصحة واللياقة. ما نراه على انستغرام ليس دائماً حقيقياً، ولا يجب ان يتحول الى المقياس الذي نقيس عليه ذواتنا وتقدمنا.
مواجهة هذا الواقع يبدأ بالوعي، ويستمر بالمطالبة بالتغيير والتنظيم الحقيقي للمحتوى. من جانبنا، علينا ان نعيد تعريف " الجمال" و " الصحة" بعيداً عن الخدع والفلاتر والتعديلات.