التكنولوجيا تقتحم الملاعب! الأجهزة القابلة للارتداء تغيّر مستقبل كرة القدم

ابرزهم مانشستر سيتي وليفربول وبرشلونة.. أكبر أندية العالم تُدخل أجهزة خاصة لقياس الانطباعات الحيوية للاعبين وتحول مسار منظومة التدريب

تقرير/ حبيبة وائل

في عصرٍ تتحكم فيه التكنولوجيا بكل تفاصيل الحياة، أصبح من المؤكد أن الرياضة لم تعد بمنأى عن هذا التحول الجذري. كرة القدم، اللعبة الأكثر شعبية في العالم، تشهد اليوم طفرة تقنية غير مسبوقة، حيث تغزو الملاعب أجهزة ذكية ترصد كل حركة ونبضة، وتعيد تشكيل مفهوم التدريب والتنافس والتعافي. فبفضل التطور المتسارع في التكنولوجيا القابلة للارتداء، لم يعد أداء اللاعبين مرهوناً بالموهبة فقط، بل أصبح معتمداً على بيانات دقيقة تُجمع في الوقت الحقيقي لتوفر رؤى تفصيلية تساعد على رفع مستوى الأداء وتقليل احتمالات الإصابة.

ما هي التكنولوجيا القابلة للارتداء

تشير التكنولوجيا القابلة للارتداء في عالم الرياضة، وتحديدًا في كرة القدم، إلى مجموعة من الأجهزة الإلكترونية الذكية التي يمكن للاعبين ارتداؤها أثناء التدريبات أو حتى خلال المباريات؛ هذه الأجهزة، التي تتنوع بين أجهزة تحديد المواقع GPS، وأجهزة مراقبة معدل ضربات القلب، وأجهزة استشعار الحركة والضغط والتسارع، تقوم بجمع كمٍّ هائل من البيانات الحيوية والحركية في الوقت الحقيقي. الهدف الأساسي منها ليس فقط مراقبة صحة اللاعب أو تتبع أدائه، بل مساعدته على تحسين مستواه وتقليل مخاطر الإصابات، من خلال تزويد المدربين والطاقم الطبي بتحليلات دقيقة وفورية عن الحالة البدنية والتقنية لكل لاعب على حدة.

في السنوات الأخيرة، أصبحت هذه الأجهزة جزءًا لا يتجزأ من منظومة التدريب في أكبر أندية كرة القدم حول العالم، مثل مانشستر سيتي وليفربول وبرشلونة وباريس سان جيرمان. فبدلاً من الاعتماد على الانطباعات أو المشاهدة فقط، أصبح المدربون يتخذون قراراتهم بناءً على بيانات موضوعية موثوقة، مثل المسافة التي يقطعها اللاعب خلال الحصة التدريبية، ومعدل ضربات قلبه، ومستوى الجهد المبذول، ومدى استجابته لظروف اللعب المختلفة. على سبيل المثال، إذا أظهرت البيانات أن لاعبًا معينًا تجاوز المعدلات الطبيعية لمعدل ضربات القلب أو أظهر تباطؤًا متكررًا في الحركة، فإن ذلك يشير إلى إجهاد بدني يتطلب تدخلاً فوريًا، إما بتقليل حمل التدريب أو منحه فترة تعافٍ أطول لتفادي الإصابة.

تحليل الأداء وتحسين التكتيك .. دور البيانات في قرارات المدربين


ولا تقف الفائدة عند هذا الحد، بل تمتد أيضًا إلى التحليل التكتيكي داخل المباريات، فمن خلال تتبع مواقع اللاعبين وأنماط تحركاتهم على أرض الملعب، يمكن للمدربين فهم مدى التزامهم بالخطة، أو تعديل تمركزهم لتحقيق التوازن المطلوب في التشكيل. كما تسمح هذه البيانات بفهم دقيق لسلوك اللاعب عند فقدان الكرة أو الضغط على الخصم، ما يساعد على تحسين الأداء الجماعي وتطوير الاستراتيجية الدفاعية والهجومية للفريق.

واحدة من أبرز المميزات التي تقدمها الأجهزة القابلة للارتداء هي قدرتها على تتبع مؤشرات ميكانيكية حيوية دقيقة، مثل زوايا المفاصل، وطول الخطوات، ونمط الجري، والتي تُعد ضرورية لفهم التقنية الحركية لكل لاعب، هذه المعلومات لا تُستخدم فقط لتصحيح الأخطاء أو تعزيز الفاعلية، بل تلعب دورًا محوريًا في الوقاية من الإصابات المزمنة، عبر الكشف المبكر عن الحركات غير الطبيعية أو الإجهاد المتكرر الذي قد يؤدي إلى إصابات في الركبة أو الكاحل أو العضلات الخلفية. كما تُستخدم بيانات التسارع والتباطؤ لتقييم قدرة اللاعب على الانفجار الحركي والتغيير السريع في الاتجاهات، وهي صفات ضرورية في مراكز مثل الأجنحة والمهاجمين وصناع اللعب.

استفادة الأطقم الطبية

إلى جانب اللاعبين والمدربين، تستفيد أيضًا الأطقم الطبية والفنية من هذه البيانات التي توفرها الأجهزة القابلة للارتداء، فهي تتيح مراقبة دقيقة لحالة اللاعب خلال عملية التعافي من الإصابة، وتساعد في تحديد الوقت الأمثل لعودته للملاعب، بما يقلل من احتمالية الانتكاس أو الإصابة المتكررة، وقد ساعد هذا الاستخدام العلمي للبيانات على تقليص فترات الغياب عن اللعب، ورفع كفاءة الاستشفاء، وتحسين الحالة العامة للفريق على المدى الطويل.

من الجدير بالذكر أن هذه التقنية لم تعد مقتصرة على الأندية الكبرى أو البطولات العالمية، بل بدأت تنتشر تدريجيًا في دوريات محلية وأكاديميات تدريب، ما يشير إلى أن المستقبل القريب سيشهد شمولية أكبر في استخدام هذه الأدوات الذكية ضمن منظومة تطوير الأداء الرياضي على مختلف المستويات، بل إن بعض المؤسسات بدأت في دمج هذه الأجهزة ضمن برامج تنشئة المواهب، بحيث يُراقب أداء اللاعبين الناشئين منذ مراحلهم الأولى، ويتم توجيههم تقنيًا منذ الصغر، وفقًا لبيانات واضحة ومؤشرات دقيقة.
Next
Next

ثورة الواقع الافتراضي والمعزز .. كيف غيّرت كرة القدم داخل وخارج الملعب؟