تبيع الوهم.. أكاديميات تسرق أحلام ناشئي كرة القدم
تحقيق / ميار وائل
هادي الشرميتي: نحتاج لصناعة لاعب مصري ينافس عالميًا.. والكيانات الوهمية تقتل الموهبة
لقطة من مباراة للناشئين داخل إحدى الأكاديميات الرياضية في مصر
يركض آلاف الناشئين يوميًا خلف حلم أن يكون أحدهم ايقونة ليفربول"محمد صلاح "، ومع هذا الحلم يسعى أولياء الأمور إلى العثور على أكاديميات تنمي هذه المواهب وتساعد أبنائهم على الوصول إلى النجومية، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، فاختيار الناشئين وتقييم مواهبهم عملية دقيقة، تتطلب مدربين محترفين يستطيعون ملاحظة المهارات الأساسية ، ولكن في الواقع، يتم استغلال هذه الأحلام من قبل الأكاديميات الوهمية التي تروج لوعود كاذبة من خلال دفع الأموال، دون تقديم أي تدريب حقيقي أو متابعة فنية، هذه الأكاديميات لا تعنى بتطوير المواهب، بل تتاجر بأحلام الكوادر وتستنزف أموال الأسر، مما يؤدي إلى تدمير الطموحات بدلاً من تطويرها.
كيف نكتشف الموهبة؟
يوضح الكابتن هادي الشرميتي، مدير لقطاع الناشئين بنادي نجوم مصر، ولاعب نادي بيراميدز و منتخب مصر للشباب السابق، في حديثه لموقع Esportegy، أن اختيار الناشئين لا يجب أن يكون مجرد تسجيل في أكاديمية أو دفع رسوم، بل هو عملية دقيقة تبدأ بالملاحظة الفنية، قائلاً: "اللاعب الموهوب يظهر من تحركاته على أرض الملعب، ليس شرطاً أن يكون لديه قوة بدنية عالية، لكن أهم شيء يكون عنده ذكاء كروي، يقرأ اللعبة، لديه القدرة على فتح مساحات، ويتصرف بالشكل الصحيح تحت الضغط"
ويضيف: "توجد مهارات تكون مؤشر أساسي، مثل التحكم في الكرة، سرعة التمرير، اتخاذ القرار السريع، التحرك بدون كرة، وفهم التعليمات من أول مرة. هذه جميعها علامات أن هذا الطفل لديه استعدادأن يصبح لاعب محترف"
أما بالنسبة للأهالي، فينصحهم الشرميتي بمراقبة سلوك ابنهم في اللعب الجماعي، قدرته على التركيز، حبه للتدريب، وتطوره مع الوقت فالطفل الموهوب لديه شغف، لا يشعر بالملل من التمرين، ودائمًا يريد أن يتعلم أكتر، هذا الذي يستحق فرصة حقيقية.
لقطة من تدريب الناشئين داخل إحدى الأكاديميات الرياضية في مصر
اختيار الكوادر.. علاقات شخصية أم معايير فنية؟
بحسب ما قاله الشرميتي، فإن الكوادر الفنية والإدارية في الأندية واتحاد الكرة، لا يتم اختيارها غالبًا بناءً على الكفاءة، بل من خلال "علاقات شخصية ومصالح"، وهو ما ينعكس على ضعف المنظومة التدريبية، وفي قطاع الناشئين، القليل فقط من الأندية الكبرى مثل إنبي، والأهلي، وبيراميدز، وزد، يعمل بمعايير حقيقية، بينما تكتفي أغلب الأكاديميات الأخرى بتحصيل الأموال من أولياء الأمور دون تقديم برنامج تدريبي معتمد أو رؤية فنية واضحة، فإن اكتشاف الموهبة لا يأتي عشوائيًا، بل يحتاج مدربًا صاحب ضمير ونظرة فنية حقيقية، موضحاً: "ليس كل شخص أمسك بالصفارة أصبح مدرب وافتتح أكاديمية، لابد أ يكون هناك رقابة حقيقية، لأن المواهب لدينا كثيرة، ويجب أن نستفيد منها ونساعدها".
المدرب الجيد لا يكتفي بمشاهدة الطفل وهو يركض خلف الكرة، بل يلاحظ تمركزه، ردة فعله، سرعة اتخاذ القرار، قدرته على الاستيعاب والتطور، فهذه المهارات، كما يؤكد مختصون، هي إشارات أولى لوجود موهبة تحتاج للرعاية.
مدارس الكرة الوهمية.. استنزاف بلا نتائج
مع حب الناشئين للوصول إلي الإحتراف، انتشرت في السنوات الأخيرة ما يُعرف بـ"مدارس الكرة الوهمية" واحدة من أخطر الظواهر التي تواجه اللاعبين الصغاروأسرهم، وسط غياب الرقابة الفعلية، وهي أكاديميات خاصة غير معتمدة تعمل دون رقابة، وتستغل الحلم في تقديم وعود كاذبة،كيانات رياضية غير مرخصة، تستغل حلم الاحتراف لدى الأطفال، وتكلف الأسر نفقات باهظة مقابل وعود زائفة لا برامج تدريبية حقيقية، ولا مباريات معتمدة، فقط شعارات لافتة ووعود بالسفر أو التعاقد مع أندية كبرى، تنتهي غالبًا بخيبة أمل أو نصب صريح.
الشهادات الحية من قلب التجربة
في إطار تغطية خاصة لبعض الشهادات الحية، تحدث عدد من النائشين لموقع Esportegy عن تجاربهم داخل أكاديميات كروية خاصة، اتضح لاحقًا أنها غير معتمدة وتفتقر لأي محتوى تدريبي حقيقي، حيث تم استغلالهم ماديًا تحت وعود زائفة بالاحتراف والالتحاق بأندية كبرى ووعود سفر وهمية خارج البلاد، حيث يحكي يوسف علي، (13 عام)، من منطقة الهرم، بمحافظة الجيزة، إنه التحق بأكاديمية خاصة وعدته بالمشاركة في مباريات ودية أمام فرق كبرى، مقابل 1050 جنيه شهريًا، بالإضافة إلى مبلغ 1500 جنيه عند التقديم قائلاً: "قالولي هتلعب قدام فرق كبيرة وفي ناس من أندية هتيجي تتفرج، بس بعد ما دفعت مفيش ولا ماتش لعبته، والتدريب كان في جنينة مش ملعب، والمدرب مش فاهم حاجة"، هكذا وصف يوسف تجربته.
ويروي آسر فتحي (12 عام)، من منطقة المقطم،محافظة القاهرة، تجربته حيث أن والده دفع 2000 جنيه لأكاديمية وعدت بفرصة السفر خارج مصر للمشاركة في بطولة دولية، قائلاً: "قالوا لبابا إن فيه معسكر في أوروبا ومحتاجين مصاريف تجهيز، وبعد ما دفعنا، وكل شوية يعطونا مواعيد ويتلغوا، لحد ما فهمنا إنه مجرد كلام"
أما عمر عبدالحليم (13 عام)، من منطقة البحر الأعظم، محافظة الجيزة، أوضح أن الأكاديمية التي التحق بها كانت تشترط دفع 1500 جنيه في الشهر، مقابل تدريبات واختبارات أمام كشافين من الأهلي والزمالك، لكنه بعد شهرين لم يجد أي تدريب جاد، بل مجرد تقسيمات عشوائية، ومدربون يأتون ويغيبون دون انتظام، قائلاً: "ادونا تيشرتات في أول يوم، وفضلنا نتمرن من غير أي خطة أو تدريب نستفيد منه، كل اللي حصل تقسيمات وخلاص، كل مرة يقولوا الأسبوع الجاي فيه اختبار مهم ومعسكر خارجي، ومفيش حاجة بتحصل"
هذه الشهادات تكشف جانبًا مظلمًا من تجارة الحلم في ملاعب وهمية، وتسلط الضوء على ضرورة وجود رقابة صارمة من اتحاد الكرة والجهات المختصة، لحماية الأطفال وأحلامهم من المتاجرة.
لقطة من مباراة للناشئين داخل إحدى الأكاديميات الرياضية في مصر
الرقابة على الأكاديميات الرياضية وخاصة العشوائية
وفي إطار هذا ، نقلًا عن تصريحات مستشار وزير الشباب والرياضة، الأستاذ ضياء الدين عبد التواب، في مقال نشر بموقع جريدة الجمهورية، بشأن الرقابة على الأكاديميات العشوائية، أشار إلى أن الوزارة بصدد بدء إجراءات تسجيل الأكاديميات الخاصة لكرة القدم لتنظيم عملها وضمان تقديم برامج تدريبية ذات جودة، وأكد عبد التواب أن الوزارة تعمل على تفعيل دور مديريات الشباب والرياضة في كافة المحافظات، بهدف مراقبة الأكاديميات الخاصة لضمان عدم استغلال المواهب الصغيرة في أنشطة غير قانونية. وأضاف أن الأكاديميات التي تعمل بشكل غير مرخص أو تقوم باستغلال الأموال دون تقديم تدريب حقيقي سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضدها، لضمان حماية الأطفال وأسرهم من الوقوع ضحية لوعود كاذبة.
وفي هذا الصدد، تقدم النائب طارق عبدالهادي، عضو مجلس الشيوخ، في أبريل الماضي، نقلاً عن تصريحه، من مقال نشر بموقع الدستور، بطلب اقتراح برغبة إلى مجلس الشيوخ موجه إلى الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، طالب فيه بتعزيز دور الوزارة والاتحاد المصري لكرة القدم في الرقابة على الأكاديميات الرياضية، خاصة تلك العاملة في كرة القدم، وأكد النائب أن الأكاديميات الخاصة تمثل جزءًا مهمًا في مسار تطوير الرياضة واكتشاف المواهب، إلا أن كثيرًا منها يعمل بشكل غير مرخص ويفتقر لأي إشراف رسمي، ويتم تشغيلها بعشوائية تامة، وأوضح أن بعض هذه الأكاديميات تلجأ إلى الترويج الزائف والوعود غير الحقيقية لجذب أولياء الأمور واللاعبين، دون أن تقدم برامج تدريبية فعالة أو خدمات رياضية حقيقية تساعد على تنمية المهارات وصقل المواهب.
وأضاف أن هذه الأكاديميات تفرض رسومًا مرتفعة دون تحقيق أي نتائج ملموسة، ما يستدعي ضرورة تقنين أوضاعها، والاستعانة بكوادر فنية مؤهلة، لضمان تخريج دفعات من الناشئين تكون قادرة على إفادة نفسها وخدمة الرياضة المصرية. كما حذّر من أن استمرار هذه الأكاديميات دون ترخيص رسمي يعرض الناشئين لمخاطر صحية وإصابات، نظرًا لعدم التزامها بأي اشتراطات طبية أو رياضية.
طلب النائب طارق عبدالهادي
طلب النائب طارق عبدالهادي
طلب النائب طارق عبدالهادي
طلب النائب طارق عبدالهادي
الطريق الآمن لتطوير المواهب
لتفادي الوقوع ضحية لهذه الكيانات، ينصح الخبراء أولياء الأمور باللجوء إلى الأكاديميات التابعة للأندية الرسمية، التي تخضع لإشراف فني وإداري معتمد، كذلك، يجب التأكد من وجود برنامج تدريبي واضح، متابعة مستمرة لتطور الطفل، والمشاركة في بطولات حقيقية.
ليست كل أكاديمية تعلق لافتة وتدعو لاختبارات الناشئين جديرة بالثقة، ففي زمن أصبحت فيه كرة القدم صناعة، باتت الحاجة مهمة لتفعيل رقابة شديدة على الأكاديميات، وتوجيه أولياء الأمور نحو المسارات الآمنة، فالحلم لا يجب أن يتحول إلى تجارة، والمستقبل لا يصنعه الاستغلال بل التخطيط والتأهيل الحقيقي.