واجهة تجارية عالمية بمليارات الدولارات: ريال مدريد ومانشستر يونايتد فى المقدمة..كيف تستثمر الأندية الرياضية فى سوق الملابس الرياضية؟
تقرير / منة عامر
تحول تيشرت كرة القدم من زيّ عملي يساعد اللاعب على تقديم أداء جيد إلى رمز أيقوني. لا يمثل هوية الفريق فحسب، بل يعكس تطور هذه الرياضة. يحمل بين خيوطه تاريخ الفرق، وانتماء الجماهير، ولمحة من الموضة الحديثة
بمرور السنوات، تحول التيشرت الرياضي إلى أداة اقتصادية مؤثرة ووسيلة تسويقية ذكية للأندية والشركات الاقتصادية حول العالم
التطور التاريخي لتيشرتات كرة القدم: من البساطة إلى الاحتراف
بدأت تيشرتات كرة القدم كملابس عملية بسيطة، مصنوعة من نسيج يسمى الجريسيه، وهي لتصميم الملابس الضيقة القابلة للتمدد حسب شكل الجسم ويكون مزيجاً من الصوف والقطن، وهو ما يفسر تسميه هذه التيشرتات عالمياً بالجريسي (jerseys). وكان الهدف حينها توفير الحد الأدنى من الحماية والتهوية للاعبين أثناء المباريات. ومع نمو الرياضة وزيادة شعبيتها في العالم تطورت تيشرتات اللاعبين أيضاً.
كانت أول قطعة ملابس مخصصة لكرة القدم عُثر عليها في خزانة الملك هنري الثامن ملك إنجلترا، والتي كانت حذاء لكرة القدم. وأول دليل على استخدام التيشرتات الملونة لتمييز الفرق في مباريات كرة القدم في دوري المدارس الإنجليزية، في البداية كان اللاعبون يرتدون أرقاماً من 1 إلى 11 لتمييز كل لاعب، ويرتدي الفريق الآخر 12 إلى 22 على ظهر التيشرت، وظهرت هذه الأرقام لأول مرة على تيشرتات نادي تشيلسي
تيشرتات كرة القدم كرموز للهوية والانتماء
تُعتبر تيشرتات كرة القدم بمثابة لوحة للتعبير الثقافي تتعدى حدود الملعب، وتسمح للمشجعين عرض ولائهم وفخرهم بالنادي واللاعب المفضل في كل وقت ومكان. ومع تقدم التكنولوجيا والتصميم، أصبحت التيشرتات الحديثة متميزة بمواد مبتكرة وتفاصيل معقدة في التصميم تجسد هوية الفريق بشكل مميز ولافت. من خطوط برشلونة الأيقونية، إلى الأحمر الكلاسيكي لمانشستر يونايتد، يحكي كل تيشرت قصة ويحمل مكانة خاصة في قلوب المشجعين.
بزوغ فجر الرعاية التجارية على تيشرتات كرة القدم
شهد القرن العشرين بداية ظهور الرعايات على تيشرتات اللاعبين في المباريات، وأيضاً التوسع في إنتاج التيشرتات وتوفير تيشرتات طبق الأصل للجمهور لشرائها، مما حقق مبالغ ضخمة للأندية من الإيرادات للأندية. وكانت هنا بداية تحول التيشرتات من أداة للرياضة إلى واجهة اقتصادية
كان نادي آينتراخت براونشفايغ الألماني أول فريق يضع شعاراً تجارياً على تيشرت اللاعبين في 1973، وكان مشروب ياغرمايستر لرجل الأعمال جنتر ماست. في إنجلترا وضع نادي كيرنتغ تاون شعار رعاية على تيشرته، ليُصدم بمعارضة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم ويضطر لإزالته، ثم عدل الاتحاد عن قراره فكان أول فريق لوضع شعار الرعاية بعدها ليفربول، ثم تتابعت الأندية وأصبحت الرعاية على التيشرتات أمراً شائعاً في عالم الكرة.
الأثر الاقتصادي لرعاية التيشرتات على الأندية
أصبحت صفقات رعاية التيشرتات من أهم مصادر الإيرادات للأندية، وتسمح للأندية باستثمار في المرافق وتطوير اللاعبين وتقديم شامل للنادي. تساعد هذه الصفقات بقوة الأندية الصغيرة وتمكنها من البقاء في المنافسة.
توفر تيشرتات الرعاية، بالإضافة للإيرادات المباشرة، فرصة لزيادة الوعي بالعلامة التجارية وتعزيز صورتها. وتساعد هذه الشراكات أيضاً في بناء اتصال أعمق بالمشجعين وتعزيز الولاء للعلامة التجارية.
حجم المبيعات العالمية لتيشرتات أندية كرة القدم
قُدر حجم السوق العالمي لتيشرتات كرة القدم بـ 6.49 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 10.57 بحلول 2033 بمعدل نمو سنوي 5.4%. بينما قيمة سوق تيشرتات كرة القدم تقدر بـ 7.62 مليار دولار عام 2024 ومتوقع أن تصل إلى 12.15 مليار دولار عام 2033 بمعدل نمو سنوي 4.9%.
تتصدر أندية مثل ريال مدريد ومانشستر يونايتد وبرشلونة وبايرن ميونخ وباريس سان جيرمان قائمة الأندية الأكثر مبيعاً للتيشرتات في موسم 2023/2024. حقق ريال مدريد أعلى إيرادات للتيشرتات والبضائع (kits) بلغت 196 مليون يورو، تبعه بايرن ميونخ وبرشلونة بقيمة مليون يورو لكل منهم.
دور شركات الملابس الرياضية في تشكيل سوق التيشرتات
تلعب شركات الملابس الرياضية الكبرى، مثل بوما وأديداس ونايكي، دوراً محورياً في اقتصاد تيشرتات كرة القدم. حيث تدفع هذه الشركات للأندية مقابل الحق في إنتاج وبيع البضائع، وتساهم بشكل كبير في التصميم وتدمج أحدث التقنيات والمواد والاتجاهات فيه.
تتنافس شركتا أديداس ونايكي في الهيمنة على سوق كرة القدم، ترعى كل منهما عدداً ضخماً من الأندية والمنتخبات الوطنية في العالم. وتستخدمان استراتيجيات تسويق متنوعة لتعزيز العلامة وزيادة المبيعات، مثل التعاون مع المشاهير والرياضيين، إطلاق حملات مبتكرة، والاستفادة من منصات السوشيال ميديا.
حملات التسويق الناجحة لتيشرتات كرة القدم
من أهم الأدوات للأندية وشركات الملابس الرياضية (influencers) تُعتبر السوشيال ميديا والمؤثرين
للوصول لجمهور أوسع وأصغر سناً وإثارة ضجة على التيشرتات الجديدة. يمكن أن تُحدث أساليب التسويق المبتكرة وغير المتوقعة اهتماماً إعلامياً كبيراً ومشاركة للمعجبين بطرق جديدة، مثل تصميم بوما لتيشرتات بالذكاء الاصطناعي وتعاون برشلونة مع سبوتيفا.
مستقبل تيشرتات كرة القدم كأداة اقتصادية وتسويقية
يمثل انتشار تيشرتات كرة القدم المقلدة قضية أخلاقية وتهديداً للمبيعات الرسمية، والذي تسبب فيه الطلب المرتفع على تيشرتات كرة القدم بأسعار أقل، والذي يحتاج إلى قيود صارمة لحله
المُرجح أن يشهد سوق تيشرتات كرة القدم تكامل بين التكنولوجيا والموضة، وستستمر أهميتها الاقتصادية، ولكن ستحتاج إلى التعامل مع التدقيق المتزايد في العوامل البيئية والاستدامة للحفاظ على الصورة الإيجابية للعلامة على المدى الطويل.
يبدو أن مستقبل تيشرتات كرة القدم يحمل لنا المزيد من التطور، ليس فقط في أشكالها، بل في دورها داخل وخارج الملعب